المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

91

الموضوع معناه جعل حكم مماثل لحكم الموضوع على تقدير الجزء الآخر، والجزء الآخر هو وجود المنجّز بالفعل، فصار الجعل مشروطاً بوجود المنجّز بالفعل، ومع فرض التنجيز في المرتبة السابقة لا يعقل جعل منجِّز آخر، ولكنّنا نقول هنا: إنّ جعل المماثل ليس مشروطاً بوجود المنجّز بل هو مشروط بوجود كاشف صالح للتنجيز، وهذا الكاشف هنا عبارة عن أركان الاستصحاب، وفي طول وجود أركان الاستصحاب يجعل المولى التنجيز بجعل الحكم الاستصحابي، ولا محذور في ذلك.

ثم إنّ الشيخ الكاظمي(رحمه الله) ذكر في تقريره (فوائد الاُصول) ثمرة بين وجهي المانعيّة، أي: أخذ الوصول في الموضوع أو التنجيز فيه، وهي: أنّه لو علم إجمالاً بنجاسة أحد الثوبين وصلّى مثلاً العصر في أحدهما والمغرب في الآخر، ثمّ انكشفت نجاسة كلا الثوبين، فإن قلنا: إنّ الموضوع هو النجاسة المنجّزة بطلت كلتا الصلاتين لوجود نجاستين، والتنجّز غير مختصّ بأحد الطرفين، فهنا نجاستان منجّزتان كلّ منهما تبطل إحدى الصلاتين. وإن قلنا: إنّ الموضوع هو النجاسة الواصلة بطلت إحدى الصلاتين فقط؛ لأنّه لم تصل إلينا إلاّ نجاسة واحدة، وهنا يتحيّر في أنّه ماذا تبطل من الصلاتين؟ هل تبطل إحداهما لا بعينها؟ وأيّ معنىً لذلك؟ أو تبطل إحداهما معيّنة؟ وما هو المعيّن لها؟(1)

إلاّ أنّ الموجود في (أجود التقريرات) هو: أنّه على كلا التقديرين لا تبطل إلاّ صلاة واحدة. أمّا على تقدير أخذ الوصول؛ فلأنّه لم تصل إلاّ نجاسة واحدة. وأمّا على تقدير أخذ التنجيز؛ فلأنّ التنجيز بمقدار العلم والعلم تعلّق بواحدة ثمّ الصلاة الباطلة في المقام هي الصلاة الاُولى؛ لأنّ المعلوم الإجمالي هو صرف الوجود، فنعلم ببطلان إحدى الصلاتين بنحو صرف الوجود، وصرف الوجود ينطبق ـ لا محالة ـ على الفرد الأوّل(2).

فكأنّه قاس المقام بمسألة: أنّ الأمر إذا تعلّق بصرف الوجود سقط بمجرّد تحقّق أوّل فرد يصدر من المكلف؛ لانطباق صرف الوجود عليه لا محالة.

أقول: لنسلّم الآن أنّ المعلوم بالإجمال هو صرف الوجود، ولكن لا معنىً في المقام لانطباقه على الوجود الأوّل بمعنى تعيّن الوجود الأوّل للبطلان، وذلك لوجهين:

1 ـ أنّه إن قصد من انطباق صرف الوجود على الوجود الأوّل انطباق الجامع بحدّه


(1) راجع فوائد الاُصول: ج 4، ص 344 ـ 345 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.

(2) راجع أجود التقريرات: ج 2، ص 367 ـ 368.