المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

94

فلا معنى لتنجيزه والتعذير عنه، فلابدّ من التعيّن الواقعي لمصبّ التنجيز والتعذير، ولا تعيّن له هنا، فإنّنا نقول: إنّ التنجيز والتعذير ليس مصبّهما الوجود الواقعي، وإنّما مصبّهما الوجودات الواصلة، أي: الوجودات العلميّة والظنّية والشكّيّة والوهميّة، والمقدار الواصل معيّن في اُفق وصوله، وهو عنوان أحدهما، فأنا أعلم بنجاسة أحدهما، فيتنجّز المقدار الواصل، وأشكّ في نجاسة الثاني، فأكون معذوراً عنها. وأمّا إذا لم نؤمن بالبراءة العقلية وتكلّمنا في الاُصول الشرعية فقد بيّنت في لسان الأدلة بلسان الحكم الشرعي ككّل شيء لك حلال المحتاج إلى موضوع خارجي، فلا بدّ من تعيّن مصبّها خارجاً، وعند ئذ توجد لدينا صيغ ثلاث في مقام التعيين:

1 ـ أن يقول العالم: عندي نجاسة معلومة وأشكّ في نجاسة الثوب الثاني، فأجري الأصل المؤمّن عنها. وهذا واضح البطلان؛ لأنّ النجاسة المعلومة غير متعيّنة على فرض تعدّد النجاسة في الواقع الذي هو المفروض في المقام، وغير المتعيّن يكون غيره ـ أيضاً ـ غير متعيّن لا محالة.

2 ـ أن نجري الأصل لا في الطرف الثاني كما في الصيغة الاُولى، بل في كلا الطرفين، ببيان: أنّ في كلّ طرف شكّين: أحدهما احتمال وجود النجاسة المعلومة فيه، وهذا لا يدفع بالأصل للتعارض، والثاني احتمال وجود نجاسة اُخرى، وندفعه بالأصل. وهذا كسابقه في البطلان؛ لأنّ النجاسة المعلومة غير معيّنة، فغيرها ـ أيضاً ـ لا يكون معيّناً.

3 ـ أن نجري الأصل المؤمّن في كلا الطرفين بالفعل، لكن نقيّد كلاً منهما بما إذا كان الآخر نجساً(لا تقل: لماذا لا تشترط كون الآخر طاهراً؟ لأنّه في هذا الفرض نعلم بنجاسة الأوّل). وهذا الوجه معقول، وفائدة ذلك: أنّنا نعلم إجمالاً بتماميّة شرط أحد الأصلين على أقلّ تقدير، فيتولّد من إجراء الأصلين بهذا النحو العلم الإجمالي بوقوع إحدى الصلاتين مع الطهارة الظاهرية، وهذا مؤمّن لا محالة، وتأمين العلم الإجمالي عقلّي، فلا بأس بالتردّد الخارجي فيه كما عرفت، ولا يتعارض الأصلان في المقام عند نجاسة كليهما(وهي المفروض)؛ لأنّ الواصل منهما أحدهما. وهذا الوجه لا إشكال فيه ثبوتاً، لكنه غير صحيح إثباتاً على ما مضى منّا من الإشكال في هذا النحو من التخيير في إجراء الأصول في محلّه(1).

 


(1) لا أتذكّر أنه مضى شيء من هذا القبيل، والظاهر أنّ هذا اشتباه، وأنّ الذي مضى إنّما هو الحديث عن الترخيص في كلّ واحد من الطرفين على تقدير عدم الترخيص في الطرف الآخر، أي: أنّ الحديث كان عن