المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

95

وأمّا الصورة الثانية، وهي ما لو كان هناك تعيّن واقعي للنجاسة المعلومة إجمالاً، فلا بأس فيها بإجراء الاُصول العقلية والشرعية عن النجاسة البولية مثلاً؛ لأنّها شيء مشكوك فيه، وليس هنا معلوم إجمالي متساوي النسبة إليه وإلى النجاسة الاُخرى حتّى يستشكل في جريان الأصل الشرعي كما في الصورة الاُولى.

وأمّا الصورة الثالثة، وهي ما لو علم بنجاسة أحدهما وطهارة الآخر، فأيضاً يلتزم فيها بوحدة المنجّز، ولا فرق هنا بين التعيّن الواقعي وعدمه، فلنفرض أنّ هذا الشخص كان مشتبهاً، وكان كلاهما نجساً في الواقع، ومع ذلك يكون الثاني بعنوانه الإجمالي معذّراً عنه، ولا بأس بعدم التعيّن الخارجي؛ لأن المعذّرية والمنجّزية هنا عقلية (على أنّه هو يعتقد التعيّن، فيجري في عمله حسب اعتقاده).

وأمّا الجهة الثانية: وهي بلحاظ ما بعد انكشاف الحال، فالصحيح أنّه لا بدّ من لحاظ الأدلّة التي تقيّد المانعيّة، لنرى مقدار تضييقها لها، فإنّ مقتضى الطبع الأوّلي لها هي المانعية المطلقة للنجاسة، وإنّما رفعنا اليد عنها بالروايات الخاصّة الدالّة على صحّة الصلاة عند الجهل، وهي كلّها واردة في الشبهات البدوية التي تكون مجرىً لأصل مؤمِّن يعيِّن وظيفة المكلف خارجاً ويحدّدها، فنرفع اليد عن الإطلاق بهذا المقدار. وأمّا التأمين الذي يكون من قبيل ما نحن فيه فيحتمل الفرق بينه وبين التأمين المتعارف، فنرجع في ما نحن فيه إلى إطلاق المانعية، فتبطل كلتا الصلاتين.

ولو فرضنا شمول الأدلّة المخصّصة لتأمين من هذا القبيل، وجمدنا على حاقّ اللفظ في قولنا: إنّ المانعية دائرة مدار التنجيز نفياً وإثباتاً، قلنا: أمّا في الصورة التي يوجد للمعلوم


الترخيص والتأمين في مقابل نفس الحكم الواحد المعلوم بالإجمال بهدف أن نصل إلى جواز المخالفة الاحتمالية والتخيير في مخالفة التكليف في أحد الطرفين، فأبطل اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) ذلك: تارةً بأنّ هذا لا يثبت التخيير، بل يثبت ترخيصاً في فرد غير معيّن، وهو لغو، واُخرى بأنّ هذا في روحه ترخيص تعييني من دون مرجّح، ومجرد عدم معرفتنا للطرف المرخّص فيه لا يرفع إشكال عدم الترجيح، فإنّ ملاك الترخيص وهو الشكّ نسبته ـ على أيّ حال ـ إلى الطرفين على حدٍّ واحد، وملاك عدم الترخيص وهو حرمة المخالفة القطعية ـ أيضاً ـ نسبته إليهما على حدٍّ واحد، فإشكال لزوم الترجيح بلا مرجح باق على حاله.

راجع بهذا الصدد أواخر بحث شبهة التخيير قبيل تنبيهات العلم الإجمالي. أما في ما نحن فيه فالكلام إنّما هو في التأمين في مقابل تكليف ثان لا في مقابل التكليف الواحد المعلوم بالإجمال، ومن الواضح أنّ إطلاق دليل التأمين يشمله، وأثره عدم استحقاق عقاب ثان لمن ارتكب الطرفين.