المولفات

المؤلفات > الاجتهاد و التقليد / بحث في التقليد

14

وإن فرض الثالث فهذا الفقيه ليس من أهل خبرة الأحكام الظاهرية لهذا العامي، بل هو من أهل خبرة أحكام نفسه الظاهرية، فكيف يرجع إليه العامي ؟. في حين أنّ ظاهر الأدلّة اللفظية هو إمضاء نفس ماهو المرتكز عقلائياً، خصوصاً مثل قوله: « أما لكم من مفزع، أما لكم من مستراح تستريحون إليه » (1) فالمفهوم عرفاً من مثل هذا اللسان هو أنّ الأحكام سواء الواقعية منها أو الظاهرية مشتركة بين الفقهاء والعوام في المرتبة السابقة على جواز التقليد، وأنّ التقليد إنّما جاز لأنّه المقلَّد من ذوي الخبرة بتلك الأحكام، وهذا هو المرتكز متشرّعياً أيضاً، وهذا هو التطبيق للمرتكز العقلائي عن التقليد، وبما أنّ البحث هنا ليس في أصل جواز التقليد، بل المفروض هو الفراغ عن جوازه، إمّا للأدلة اللفظية أو للارتكاز المتشرّعي أو للارتكاز العقلائي الذي لولا ردع الشارع لسرى ولو خطأ إلى الشرعيات، فعدم ردع الشارع يكون دليلاً للإمضاء، فبعد ذلك لا تبقى حجية لهذا الظهور، أعني ظهور الروايات في نفس ما عليه الارتكاز من كون التقليد رجوعاً إلى أهل الخبرة، وكون الأحكام مشتركة بين العالم والعامي في لمرتبة السابقة على جواز التقليد؛ لأنّ حجية الظهور إنّما تكون على تقدير أثر عملي لذلك في حين أنّه لا أثر عملي بعد فرض أصل جواز التقليد في الشرعيات في التكليف العقلائي لذلك وأنّه هل هو بملاك الرجوع إلى أهل الخبرة أولا، فليكن اشتراك العامي والعالم في الحكم بعد جواز التقليد أو بعد التقليد، وأيّ ضير في ذلك؟ !

وقد يقال: إنّه يكفي أثراً لذلك جواز إفتاء العامي بحكمه حتى لو لم يحز له تقليد هذا الشخص أو قل الإفتاء بحكم الله المشترك في المرتبة السابقة على جواز التقليد.

لكن هذا الأثر غير كافٍ بناء على قيام الظهور أو مطلق الأمارات مقام العلم الموضوعي الصفتي؛ أمّا بناء على إنكار ذلك لعدم الاعتراف بالعلم الاعتباري الذي يقوله الشيخ النائيني. وعدم شمول أدلّة الحجية لأثر الأخبار لأنه من آثار القطع الموئوعي الصفتي، وليس من قبيل الاستصحاب مثلاً الذي هو كان أثراً لليقين السابق فالمستظهر كونه أثراً لليقين الطريقي فلا دليل على حجية ظهور الدليل في كون التقليد في الشرعيات في تكييفه كالتقليد الثابت لدى العقلاء.

وقد يذكر لذلك في المقام بعض الآثار من قبيل:


(1) وسائل الشيعة 18: 105، ب 11 من صفات القاضي، ح 24.