المولفات

المؤلفات > الاجتهاد و التقليد / بحث في التقليد

23

وقد اتضح بهذا العرض التهافت المستبطن في كلام السيد اليزدي رحمه الله في المسألة 53، حيث ذكر فيها: « إذا قلّد من يكتفي بالمرة مثلاً في التسبيحات الأربع واكتفى بها أو قلّد من يكتفي في التيمم بضربة واحدة ثم مات ذلك المجتهد فقلّد من يقول بوجوب التعدّد لا يجب عليه إعادة الأعمال السابقة، وكذا لو أوقع عقداً أو إيقاعاً بتقليد مجتهد يحكم بالصحة ثم مات وقلّد من يقول بالبطلان يجوز له البناء على الصحة. نعم فيما سيأتي يجب عليه العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني.

وأمّا إذا قلّد من يقول بطهارة شيء كالغسالة ثم مات وقلّد من يقول بنجاسته فالصلوات والأعمال السابقة محكومة بالصحة وإن كانت مع استعمال ذلك الشيء، وأما نفس ذلك الشيء إذا كان باقياً فلا يحكم بعد ذلك بطهارته، وكذا في الحلية والحرمة، فإذا أفتى المجتهد الأول بجواز الذبح بغير الحديد مثلاً فذبح حيواناً كذلك فمات المجتهد وقلّد من يقول بحرمته بأن باعه أو أكله حكم بصحة البيع وإباحة الأكل، وأمّا إذا كان الحيوان المذبوح موجوداً فلا يجوز بيعه ولا أكله، وهكذا » (1).

أقول: نحن لم نفهم الفرق بين مثال العقد والإيقاع ومثال الذبح؛ فإن كان مفاد الحديث هو الفزع والاستراحة بلحاظ كلّ عمل وضعي أو تكليفي وجب الحكم بصحة كلّ من العقد والإيقاع والذبح الواقع في الزمان الأول، وترتّب آثار الصحة عليه حتى في الزمان الثاني وإن لم يجز في الزمان الثاني العقد أو الإيقاع أو الذبح وفق الرأي الأول. وإن كان مفاد الحديث هو الفزع والاستراحة بلحاظ حصول الامتثال وعدمه، أي بلحاظ وقوع العمل بمؤدّى الحكم التكليفي في الزمن الأول لم يجز ترتيب آثار الصحة على كلّ هذه الأمور في الزمان الثاني.

والمرجّح عندنا هو كون النظر إلى وقوع العمل بالحكم التكليفي في الزمان الأول؛ وذلك لأنّ المنصرف من الفزع والاستراحة اللذين فهمنا منهما الإجزاء هو الفزع والاستراحة بلحاظ امتثال الوظائف، وقيمة صحة الاُمور الاُخرى وفسادها ترجع إلى ماتنتهي إليها بالآخرة من الامتثال أو العصيان.

ولوشككنا في هذا الاستظهار كفانا الرجوع إلى الأصل؛ فإنّ الأصل ـ كما نقحناه في علم الاُصول ـ في الأحكام الظاهرية عدم الإجزاء، وإنّما أثبتنا الإجزاء هنا بدليل تعبّدي وهو صحيحة يونس، فلابدّ من الاقتصار في ذلك على القدر المتيقّن.


(1) العروة الوثقى. السيد اليزدي. 1: 41.