المولفات

المؤلفات > مفهوم البيع في الفقه الإسلامي

8

النقض على كون البيع تمليكاَ:

قال الشيخ (رحمه‏ الله): «لا ينتقض ـ أي ما ذكرناه من شرط تمليك المبيع ـ ببيع الدين على من هو عليه؛ لأنّه لا مانع من كونه تمليكاً فيسقط» (1).

أقول: إن كان المقصود النقض على مسألة كون البيع تمليكاً ببيع الدين على من هو عليه، أمكن الجواب: بأنّه لا مانع من كونه تمليكاً فيسقط.

ولكن لأحد أن يورد النقض بذلك من زاوية عدم عينيّة الدين، وقد فرض شرط العينيّة في المبيع، وحينئذٍ لا فرق بين أن يكون بيع الدين على من هو عليه وبين بيعه على غير من هو عليه، فالنقض بهما على حدّ سواء.

وينبغي أن يكون الجواب على النقض: بأنّ الفقه الإسلاميّ يؤمن بوعاء الذمّة، ولا يؤمن بوعاء العهدة فحسب، فكأنّ الفقه الإسلاميّ يفترض وجود العين بوجودها الرمزي في وعاء الذمّة، وهذا كافٍ في تصحيح بيعه.

وبهذا ينحلّ إشكال بيع الكلّيّ في الذمّة رغم أنّ وجود هذا الكلّيّ في الذمّة إنّما يتحقّق بنفس البيع، فكأنّه يكفي في الشريعة في صحّة البيع هذا الوجود الرمزي للكلّيّ في الذمّة التقديري، أي على تقدير تحقّق البيع.

وأمّا إشكال جعل الثمن عمل الحرّ، فجوابه واضح؛ لأنّه لا إشكال في أنّ عمل الحرّ له ماليّة، نعم إيجاد هذا المال إنّما يجب على المشتري بعد أن يشتري المبيع بعمله، ففرق كبير بين مسألة جعل عمل الحرّ ثمناً في المبيع ومسألة ضمان عمل الحرّ بالحبس؛ إذ يكفي في صحّة الأوّل كون العمل ذا ماليّة بلا إشكال، ولذا لو أجبر أحد أحداً على عمل ضمن له قيمة العمل ضمان الإتلاف، ولكن لا يكفي في ضمان عمل الحرّ بحبسه مجرّد كون العمل ذا ماليّة، فنحن نفصّل في ضمان عمل الحرّ بالحبس بين أن يكون أجيراً لعمل فيحبس وأن يكون كسوباً حتّى لو لم يكن أجيراً فيحبس وبين أن يكون بطّالاً فيحبس، ففي الأوّل: نؤمن بضمان اُجرة عمله على أساس قاعدة نفي الضرر، وفي الثاني: نؤمن بضمان قيمة المثل لعمله على أساس قاعدة نفي الضرر أيضاً، وفي الثالث: لا نؤمن بضمان عمله.

وأمّا استشكال الشيخ (رحمه‏ الله) في ماليّة مثل حقّ التحجير ونحوه بعد اعترافه بالمقابلة بالمال في الصلح فلا أعرف وجهه.


(1) الأنصاري، مرتضى، المكاسب، 3: 9.