المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

115

السنّة ليست محصورة وموجودة بتمامها عند المخاطبين عادةً؛ كي يمكن إرجاعهم إليها كضابط، وهذا بخلاف القرآن الكريم. فهذه هي نكتة الانصراف إلى ما قلناه.

إلا أنّه قد يقال: إنّه لو كان المقياس هو الوعيد في القرآن بالنار لانتقض ذلك ببعض المعاصي التي لم يرد في القرآن وعيد بالنار عليها، ولا شكّ فقهيّاً أو إسلاميّاً في كونها من الكبائر من قبيل اللواط وشرب الخمر.

وقد يقال في الجواب: إنّ عنوان ما أوعد اللّه عليه النار الوارد في الروايات إشارة إلى مفهوم عرفي راجع إلى تفسير الكبيرة والصغيرة، ومتعارف بين الموالي والعبيد العرفيّين. توضيحه: أنّ أوامر المولى ونواهيه لها محرّكية ذاتيّة للعبد إذا كان يحبّ مولاه، وهي محرّكية عاطفية، ولها محرّكية ذاتية عقلية للعبد إذا كان يعترف لمولاه بالمولويّة الحقيقية ووجوب الطاعة، أو اجتماعية إذا كان يعترف له بالمولويّة الاجتماعية، وهذه المحرّكيّات الذاتية قد لا تكفي لتحريك العبد، وعندئذٍ إن كان اهتمام المولى بالقضيّة كبيراً يوعده بالعذاب على تقدير عدم الامتثال، وقد يعذّبه بالفعل عند المخالفة، وإن كان اهتمامه بها ليس كبيراً يغضّ النظر عن العبد حينما يراه مخالفاً ولا يعاقبه، إلا إذا رأى منه إصراراً على ذلك، أو رآه يضم هذه المخالفة إلى المخالفات الكبيرة، فقد يعاقبه على الصغيرة أيضاً. والمفهوم عرفاً من العفو عن الصغائر عند اجتناب الكبائر وعدم الإصرار هو هذا المعنى، فلا ينبغي أن نجمد في فهم مقياس ما أوعد اللّه عليه النار على فرض الوعيد الصريح، بل تهويله تعالى في كتابه لمعصيةٍ ما يفهم منه _ بناءً على هذا الفهم العرفي الذي شرحناه _ الوعيد بالنار، وعليه فمثل اللواط الذي تكرّر فيه ذكر قصّة لوط (عليه السلام) في القرآن الكريم وتأنيبه الشديد لقومه على هذا العمل القبيح، ثم ذكر نزول العذاب عليهم وإهلاكهم، دليل كافٍ بهذا النمط من الفهم على الوعيد بالنار، وكون المعصية كبيرةً. وضمّ النهي عن