المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

276

ذلك أمران:

أحدهما _ دعوى السيرة العقلائيّة على العمل بخبر الثقة في الموضوعات، وعدم اختصاص السيرة بخصوص باب الأحكام.

وثانيهما _ مثل قوله: «العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا عنّي فعنّي يؤدّيان»، فهذا التعبير يُفهم منه تعليل حجّية أدائه عن الإمام (عليه السلام) بالوثاقة، والتعليل إشارة إلى كبرى كلّية قد تتردّد سعةً وضيقاً بين عدة كبريات، فالمفروض الاقتصار على أضيق كبرى تشمل المورد ما لم تكن هناك كبرى معهودة عرفاً، ومن المركوز مناسبتها للصغرى المصرّح بها، وإلا فهذا الارتكاز بنفسه قرينة على مل‏ء الفراغ بتقدير تلك الكبرى المعهودة، ولو كانت أوسع من مقدار الحاجة إلى اقتناص النتيجة الواردة في مورد النص. ومقامنا من هذا القبيل، فإنّ الحاجة إلى اقتناص النتيجة بحسب المورد يكفي فيها تقدير حجّية خبر الثقة في الأحكام كبرىً في القياس، ولكن حيث إنّ كبرى حجّية الثقة بنحو أوسع مركوزة، فينصرف مل‏ء الفراغ إليها حفظاً لمناسبات الصغرى والكبرى المركوزة في الذهن العرفي، ومعه يتم الاستدلال على المطلوب(3).

أقول: لا يتوهّم أنّ هذا رجوع إلى الاستدلال بالسيرة، فإنّ السيرة العقلائيّة بحدّ ذاتها غير حجّة، وإنّما الحجّية لموافقة الشارع، وموافقته تارةً تكشف بعدم الردع، وهذا هو الوجه الأول، وأُخرى تكشف بدلالة لفظيّة وإن كانت نفس السيرة دخيلة في تكوّنها. ويظهر الأثر العملي فيما لو احتملنا الردع من دون أن يثبت بدليل خاص؛ كي يكون رادعاً عن السيرة وفي نفس الوقت مقيِّداً لعموم التعليل، فإذا احتملنا الردع، ولم يكن هناك ما ينفيه ولا ما يثبّته، فهذا يضرّ بالدليل الأول وهو التمسّك


(1) بحوث في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص 90 _ 91