المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

86

وإمّا أن لا نبني على قاعدة انقلاب النسبة، فنقول بأنّ روايات المنع المطلق تعارضت مع هذه الروايات، وبعد التساقط رجعنا إلى روايات المنع المختصّة بفرض إمكانيّة الرجوع إلى قاضي العدل، ويبقى الرجوع إلى قاضي الجور بهدف استنقاذ الحقّ عند العجز عن الرجوع إلى قاضي العدل باقياً تحت أصالة الجواز؛ فإنّ كلامنا هنا في الجواز وعدمه، لا في النفوذ وعدم النفوذ حتى تجري أصالة عدم النفوذ لا أصالة البراءة.

هذا، وقد يقال في إبطال التمسّك برواية ابن فضّال لإثبات جواز الرجوع إلى قاضي الجور: إنّ ضعف سند رواية أبي بصير _ التي جعلناها قرينةً على حمل الحكّام في الآية على حكّام الجور _ بعبداللّه بن بحر الواقع في سند هذا الحديث يجعلنا لا نملك دليلاً على كون النظر في رواية ابن فضّال إلى حكّام الجور، فلعلّ المقصود من رواية ابن فضّال مجرّد تحريم العمل من قبل المحكوم له بحكم القاضي لو علم بينه وبين اللّه أنّه ليس هو على حقّ، وأنّ خصمه هو المحقّ وهذا ممّا لا غبار عليه، ولا علاقة له بما نحن بصدده.

إلا أنّ الصحيح هو أنّ حمل الحكّام في الآية الشريفة على حكّام الجور ليس بحاجة إلى الاستشهاد له برواية أبي بصير حتى يردّ ذلك بضعف سند تلك الرواية، بل الآية في نفسها واضحة في إرادة حكّام الجور؛ لأنّ الآية بصدد النهي عن الإدلاء بالأموال إلى الحكّام، ومن الواضح أنّ أخذ الرشا إنّما هو شأن حكّام الجور دون حكّام العدل.

ومع هذا فقد يقال: إنّ رواية ابن فضّال لا تغنينا شيئاً في المقام، فإنّها مشتملة على فقرتين:

الأُولى: قوله: «الحكّام القضاة» وهذا راجع إلى تفسير قوله تعالى: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾.