المولفات

المؤلفات > الاجتهاد و التقليد/حقيقة التقليد وحالاته

20

صحيح أنّه لا الأمر يدلّ على الوجوب التكليفي ولا الترخيص يدلّ على الإباحة التكليفية، بل كلاهما إرشاد إلى الحجية، لكن هناك فرق بين اللسانين، فلسان الأمر والإلزام حينما يكون شمولياً يكون إرشاداً إلى الحجية الشمولية، ولا ينسجم مع الحجية البدلية؛ لأنّ الحجية البدلية لا تقتضي إلا الإلزام بأحدهما على سبيل البدل، بينما لسان الترخيص حتى لو كان شمولياً ينسجم مع الحجية البدلية، لأنّ الحجية البدلية أو التخييرية تقتضي لا محالة أن نكون مرخّصين في الأخذ بأيّ فتوى شئنا، وبما أنّ مقتضى إطلاق الترخيص هو ثبوته حتى في فرض تعارض الفتويين، بينما لا يمكن في هذا الفرض إلا الحجية التخييرية أو قل: البدلية.

إذن، مقتضى إطلاق دليل الترخيص في التقليد هو كون حجية الفتويين المتعارضين بدلياً، ولئن كان بعض أدلّة التقليد بلسان الأمر والإلزام أو احتملنا فيه ذلك فليسقط ذاك الدليل في الفتويين المتعارضين، لكن تبقى الأدلّة الاُخرى التي هي بلسان الترخيص والتجويز لا أكثر ثابتة الإطلاق، وتلك كافية لنا.

الوجه الثاني: أن نقول أيضاً إنّ هناك فرقاً بين دليل للتقليد يفترض كونه بلسان الأمر ودليل آخر للتقليد يفترض كونه بلسان التجويز والترخيص، فلسان الأمر يدلّ على كلا جانبي الحجية، أعني التنجيز والتأمين؛ لأنّه إرجاع حتمي إلى صاحب الفتوى، فإن كانت فتواه إلزامية كانت نتيجة ذلك التنجيز، وإن كانت ترخيصية كانت نتيجة ذلك التأمين، بينما لسان الترخيص لا يدلّ على أكثر من التأمين؛ لأنّي إن شئت آخذ بقول هذا الفقيه فيؤمّنني عن الواقع، وإن شئت لم آخذ بقوله فلا يضيفني تنجيزاً، ومن الواضح أنّ الفتويين المتنافيين لا يتعارضان في الحجية حينما لا تكون حجيتهما إلا بقدر التأمين، وبالنتيجة يثبت للمقلِّد التخيير بينهما.