المولفات

المؤلفات > الاجتهاد و التقليد/حقيقة التقليد وحالاته

9

ولعلّ في عبارة التنقيح مسامحة في المقام؛ لأنّنا لو سلّمنا ظهور تلك الأدلّة في اشتراط الحياة فهي لا محالة تنفي جواز تقليد الميت، لعلمنا بأنّه لا يوجد للتقليد إلا جواز واحد إمّا مطلق وإمّا مخصوص بالحي، وليس للتقليد حكمان متسانخان أحدهما في الحي والآخر في الميت حتى يقال: إنّ قيد الحياة قيد لشخص الحكم، ولا يدلّ بالمفهوم على انتفاء سنخ الحكم لدى انتفائها، فلعلّ المقصود الواقعي للسيد الخوئي رحمه الله أنّ قيد الحياة ظاهر من الأدلّة اللفظية وإن ضيّق دلالة اللفظ وأبطل شمول إطلاق الأدلّة للفقيه الميت لكنّه ليس ظاهراً في كونها قيداً احترازياً وشرطاً في التقليد؛ لأنّ الممكن المألوف وقتئذٍ كان هو تقليد الحي، فهذا القيد مأخوذ من الواقع الخارجي سنخ ما يقال في < رَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ > (1).

ولولا أنه رحمه الله أبطل رادعية تلك الأدلّة اللفظية عن تقليد الميت ولم يؤمن بها لكان يرد عليه: أنّه يلزم من ذلك قبول هذه الرادعية في باب الرواية أيضاً؛ لأنّ تلك الأدلّة اللفظية ليست دليلاً على التقليد فحسب، بل هي تدلّ على حجية خبر الثقة أيضاً، فتدلّ على تخصيص حجية خبر الثقة بفرض حياة المخبر، فلو كان لدينا نص على حجية خبر الثقة مطلق شامل لخبر الميت لكانت هذه الروايات مخصصة له، ولو كان لدينا ارتكاز أو سيرة يدلان على جواز الأخذ بخبر الميت لكانت هذه الأدلّة رادعة عن ذاك الارتكاز وتلك السيرة.

ثم إنّ السيد الإمام الخميني رحمه الله أبطل التمسّك ببناء العقلاء في المقام بأنّ بناء العقلاء إنّما يصبح حجة بإمضاء الشريعة الذي يثبت بعدم الردع، وهذا إنّما يكون في بناء تم سريانه إلى الشريعة في زمن المعصوم كي يكون سكوت المعصوم دليلاً على الرضا، وهذا غير متحقق في باب التقليد؛ إذ أنّه في زمن المعصوم لم يكن من المتعارف وجود رسائل عملية مشتملة على فتاوى الفقيه كي يمكن أو يسهل تقليد الميت بقاء الرسالة بعد وفاة الفقيه، فتقليد الميت


(1) النساء: 23.