المولفات

المؤلفات > الاجتهاد و التقليد / شروط مرجع التقليد

3

الوجه الثاني: ما دلّ على عدم جواز التحاكم إلى الطاغوت معلّلاً بأننا اُمرنا أن نكفر به وهو الآية الشريفة < أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً > (1)، فهذا التعليل يوجب التعدّي إلى التقليد؛ فإنّ المقصود بالكفر به ليس هو الاعتراف بضلاله مثلاً، وإلا فالذين اتهمتهم الآية الشريفة كانوا معترفين بضلالة أولئك، بل المقصود بالكفر به ما يشمل ترك الإقبال إليهم في أخذ الوظيفة منهم، وهذا لايختلف الحال فيه بين التحاكم والتقليد.

واحتمال اختصاص الآية بفرض الحكم بالباطل تمنعه مقبولة عمر بن حنظلة (2) التي طبقت الآية على من يتحاكم إلى الطاغوت وإن أخذ بذلك حقه. وليس المقصود بالطاغوت خصوص من بيده السلطان والحكم أو المنصوب من قبله، بل مطلق الضالّ؛ فإنّ القضاة في شبه الجزيرة في زمن الرسول صلى الله عليه وآله إنّما كانوا عادة قضاة تحكيم من علماء أهل الكتاب، ولم يكن بيدهم سلطان بذاك المعنى المتعارف، ولا كانوا منصوبين من قبل السلطان.

الوجه الثالث: التعدّي من شرط كونه إمامياً في صلاة الجماعة بالأولوية العرفية؛ فإنّ المرجعية في الفتيا تعدّ نوعاً من الإمامة والقيادة، وليست من قبيل المرجعية في مجرّد أخذ الرواية.

الوجه الرابع: أنّ دليل التقليد إن كان لفظياً فالجوّ المتشرّعي الشعبي المأنوس بعدم جواز الترافع إلى غير الإمامي وعدم صحة الصلاة خلفه ونحو ذلك يمنع عن انعقاد الإطلاق له لتقليد غير الإمامي؛ لأنّ الدليل مكتنف بهذا الجو.

وإن كان عبارة عن الارتكاز العقلائي، فمع هذا الجو لايمكن إحراز الإمضاء إمّا لاحتمال أنّهم. اعتبروا نفس ما ورد في مثل الصلاة خلفه أو الترافع عنده كافياً في الردع، أو لأنّ هذا الجو منع عن اهتمام الرواة بإيصال النصوص الرادعة بتخيّل أنّه لاحاجة إلى الاهتمام بذلك في الجو المساعد لنفس مضامين النصوص.

وهذا الوجه فرقه عن الوجوه السابقة: أنّه يكتفي بعدم تمامية الدليل على حجية فتوى المخالف والأصل عندئذٍ يقتضي عدم الحجية، في حين أنّ الوجوه السابقة كانت تعتبر دليلاً على عدم حجية فتواه.


(1) النساء: 60.
(2) النساء: 60.