المولفات

المؤلفات > نظرة الإسلام إلى الحقوق الزوجيّة

3

الأساس الثالث: الشهوة الجنسيّة، فبعد أن كان الإسلام ديناً واقعيّاً يهدف إلى تلبية الحاجات الجسديّة كالروحيّة سواء بسواء، ولايجوّز طغيان أحد الجانبين على حقوق الجانب الآخر، هدف إلى تهذيب الطرق الموصلة إلى إشباع تلك الحاجات، والمنع من السرف في بعض الجوانب على حساب باقي الجوانب ومن الأساليب غير المشروعة، ولم يهدف إلى إقصاء بعض القوى، أو سدّ الباب أمام تلبية حاجة طبيعيّة بمثل الرهبنة أو الزهد بمعناه غير الصحيح.

ومن حاجات البشر الملحّة هي حاجته إلى إشباع الرغبة الجنسيّة، فكان لابدّ من إشباعها في النظام الإسلامي؛ حفاظاً على واقعيّة الإسلام، وكونه دينَ فطرة، وتلبيةً للحاجات، وحفظاً للنسل، ولم يجوّز إشباعها عن طريق الإباحيّة الجنسيّة؛ لما مضى: من أنّ الإسلام رأى سعادة الحياة البشريّة في النظام الاُسري؛ فلأجل التجاوب مع الرغبة الجنسيّة من ناحية، ولأجل الحثّ على النظام الاُسري الذي هو الطريق الوحيد لإسعاد المجتمع من ناحية اُخرى، ولأجل تفادي المضاعفات المترتّبة على شهوة الجنس حينما لاتُروى بالشكل المشروع من ناحية ثالثة، حثّ الإسلامُ على الزواج، بل على الزواج المبكِّر، وجعله من أعظم المستحبّات، ومن سُنَنِ الإسلام التي من رغب عنها فقد رغب عن سُنّة رسول الله (صلى الله عليه و آله).

ولمّا كانت شهوة الرجل على شكل الثوران الآني بين الفينة والفينة وبنحو يصعب عليه ضبط نفسه وضبط أعصابه والانشغال بسائر وظائفه، وعلى العكس من ذلك وضعُ الزوجةِ، كان هذا سبباً آخر لإعطاء زمام أمر الاستمتاع الجنسي بيد الزوج؛ ولأجل إيجاد نوع من التعادل والتلاؤم بين الزوجين جَبَرَ الإسلام عدم التماثل الموجود في شكل الشهوتين بحثّ الزوجة على تلبية طلبات الزوج في كلّ ما يريد من ناحية الجنس وإيجابِ ذلك عليها ما عدا بعض الموارد، ولم يكن من الضروري عادة أن يوجب على الزوج إشباعَ رغبة الزوجة في الجنس؛ فإنّ هذا أمرٌ فطري وطبيعي في الزوج يحقّقه بفطرته، ومع هذا اتّخذ الإسلام بهذا الصدد احتياطات: من قبيل إيجابُهُ على الزوج المبيت معها ليلة واحدة من كلّ أربع ليال، وجعلُهُ حقّ الجماع مرّة واحدة في كلّ أربعة أشهر حقّاً إلزاميّاً للزوجة، وترغيبُهُ للزوج على شكل الندب والاستحباب لإشباع الحاجة الجنسيّة للزوجة.

الأساس الرابع: الاُلفة والمودّة، فالتعايش بين الزوج والزوجة لايهنأ ولايروي الحاجة الروحيّة حينما يُقام على أساس قوانين صارمة ومحدّدة، وليس التعايش بينهما من قبيل التعايش بين رئيس المصنع وعمّاله مثلاً، الذي قد لايقصد من ورائه عدا إشباع المصالح الاقتصاديّة للطرفين، وإنّما تهنأُ الحياةُ الزوجيّةُ حينما تُقام على أساس الاُلفة والمحبّة.