المولفات

المؤلفات > مقياس المسافة الشرعيّة مكانيّ أو زمانيّ

7

ولعلّ مقتضى الجمع أن يقال: إنّ اختلاف آلة السير لم يفرض في الرواية الأخيرة هو المؤثّر في اختلاف الحكم، وإنّما المؤثّر هو اختلاف مجال السير، فلمجرى البحر مقياسه، ولمجرى البرّ مقياسه، وبما أنّه فرض في الحديث أنّ مجرى البرّ يستوعب السير بمقدار نصف يوم لأنّ المسافة كانت أربعة فراسخ، ولم يكن المفروض رجوعه في نفس اليوم حتّى يشغل بياض النهار، حكم عليه بالتمام، ولكن في مجال البحر كان المفروض أنّ سفره يشغل يومه، فحكم عليه بالقصر.

فالنتيجة إذن هي أنّنا في هذا اليوم يجب أن نفتح حساباً خاصّاً للسفر البرّي بالسيّارات، وحساباً خاصّاً للسفر البحري بالباخرات، وحساباً خاصّاً للسفر الجوّي بالطائرات، ونأخذ في كلّ مجال من هذه المجالات الثلاثة بما هو أكثر تعارفاً بين المسافرين.

إلّا أنّ الانصاف أنّ الرواية الأخيرة ـ وهي مرسلة المقنع ـ خارجة عمّا نحن فيه أساساً؛ فإنّ مفادها أنّ الراكب الذي يرجع من يومه يصوم على الرغم من أنّ مجموع الرواح والمجيء يكون ثمانية فراسخ، وذلك بمعنى أنّ الرجوع إلى الوطن في نفس اليوم كاف في صحّة الصوم سواء أبقينا ذلك على إطلاقه، أو قيّدناه بما دلّ على اشتراط الرجوع قبل الزوال. وأمّا الذي يسافر عن طريق الماء بالسفينة ويطول سفره، فلا  يستطيع الرجوع في نفس اليوم، فيفطر. هذا بغضّ النظر عن أنّه لا  حجّيّة في مرسلة المقنع، فإذا قطعنا النظر عنها لعدم تماميّتها سنداً ودلالةً ـ  كما عرفت  ـ يبقى أن نرى هل نفترض المقياس هو الشيء الأكثر رواجاً من وسائل السفر، ونقيسه ببياض اليوم ومن دون أن نفرّق بين السفر الأرضيّ والمائيّ والسماويّ، أو نفترض المقياس هي الثمانية فراسخ كائناً ما كانت الوسيلة؟

وعندئذ نقول: إنّنا موقّتاً نقطع النظر عن الروايات التي افترضها صاحبُ مقياس بياض يوم حاكمةً ومعلِّلةً لمقياس الفراسخ بتطابقه وقتئذ لسير بياض يوم، وننظر إلى الروايات التي فرضت تعارضها فيما بينها والتي حدّدت بعضها المسافة بالفراسخ، وبعضها ببياض يوم، وبعضها بالجمع بين الأمرين، ونلفت النظر للجمع العرفيّ فيما بينهما إلى نكتتين: