المولفات

المؤلفات > مَغزى البيعة مع المعصومين (علیهم السلام)

2

ما هو مغزى البيعة التي وقعت للمعصومين (عليهم السلام)؟

ذلك أنّ أهم شيء استدلّ به هذا القائل على كون البيعة شرطاً في ولاية المعصوم الحكوميّة هو ما ثبت بضرورة من التأريخ من وقوع البيعة من النبيّ (صلى الله عليه و آله) والإمام أمير المؤمنين  والحسن والحسين (عليهما السلام)، وصريح القرآن شاهد على البيعة مع النبيّ (صلى الله عليه و آله)، وضرورة التأريخ تُثبت أنّ كلّ هؤلاء المعصومين لم يقوموا بشؤون الحكومة من الجهاد بالسيف وغير ذلك إلّا بعد تحقّق البيعة معهم. وفعل المعصوم كقوله حجّة بلا إشكال، وهذا يعني أنّ هذا القائل لم يكن يرى لمغزى هذه البيعات إلّا تفسيراً واحداً وهو أنّها كانت لأجل إعطاء الاُمّة ولاية الحكم للنبيّ أو الإمام؛ لأنّ هذا هو حقّ الاُمّة وما لم ينتقل إلى المعصوم بالعقد الاجتماعيّ لم تصحّ للمعصوم ممارسة الحكم.

في حين أنّ هذه البيعات تحتمل تفسيرين:

أحدهما: ما ذهب إليه هذا القائل من تفسيرها بفكرة العقد الاجتماعي المعطي ولاية الأمر للمعصوم .

وثانيهما: أنّ المعصوم  على رغم أنّ له ولاية الأمر والحكومة بتشريع من قبل الله تعالى لم يكن من المقرّر إلهيّاً أن يُرضخهم لما له من حقّ الحكومة بالإكراه الإعجازي.

كما أنّه لا تُجبر الاُمّة على الأحكام الاُخرى كالصلاة والصوم بالجبر الإعجازي وإلّا لبطل الثواب والجزاء؛ لأنّ الناس يصبحون مسيَّرين عن غير اختيار. بل كان من المقرّر أن يصل المعصوم إلى السلطة بالطرق الاعتياديّة. ومن الواضح أنّ الوصول إلى السلطة بالطريق الاعتيادي وبغير الإعجاز ينحصر في تواجد ناصرين له من البشر، فكان أخذ البيعة منهم لأجل التأكّد من وجود ثلّة كافية من الاُمّة تعهّدوا بنصر المعصوم والعمل معه في جهاده وسائر اُموره الحكوميّة، ولولا هم لعجز المعصوم حسب القوّة البشريّة ومن دون الإعجاز عن تحقيق السلطة والحكومة خارجاً.

وصحيح أنّ فعل المعصوم كقوله حجّة ولكن الفعل بما أنّه أمر صامت وهو في كثير من الأحيان يحتمل تفسيرين أو أكثر، لا يكون حجّة لإثبات أحد التفاسير، في حين أنّ القول أمر ناطق وفي غالب الأحيان يكون ظاهراً في تفسير معيّن، وبالتالي يكون حجّة في إثبات ذاك التفسير.

وإذا دار أمر تلك البيعات بين التفسيرين اللذين ذكرناهما كان أمامنا طريقان لحلّ اللغز:

الطريق الأوّل: أن نلتمس من نفس مكتنفات الفعل وكيفيّته ما يكون قرينة قطعيّة أو عرفيّة لتعيين أحد التفسيرين.

والطريق الثاني: أن نفترض عدم وجود قرينة من هذا القبيل فيسقط الفعل عندئذ عن الحجّيّة لإثبات أحد التفسيرين، فنرجع إلى الكتاب أو السنّة القوليّة لمعرفة الحكم. بل أحياناً يوضّح لنا الكتاب أو السنّة القوليّة بشكل قطعي ما هو تفسير ذاك الفعل الذي كان في نفسه مجملاً.

ونحن نسلك هنا لتوضيح الأمر كلا هذين الطريقين، ولكنّنا قبل سلوكهما نشير إلى ما قد يقال بعد فرض انحصار تفسير ما وقع من البيعة بمعنى العقد الاجتماعي الموجب لولاية الأمر، من أنّ هذا التفسير بعد تسليمه لا يثبت نفي ولاية الحكم عن المعصوم قبل البيعة؛ وذلك لاحتمال أن يكون لولاية الحكم مصدران: أحدهما: التعيين الإلهي بالنصّ والثاني: العقد الاجتماعي، وأراد المعصوم أن يحقّق لنفسه المصدر الثاني على رغم امتلاكه للمصدر الأوّل ورغم كفاية المصدر الأوّل له. ولعلّه كانت الحكمة في ذلك أن تتعلّم الاُمّة المصدر الثاني أيضاً كي يفيدهم في حالات فقد المعصوم التي لم يعيّن فيها شخص ما بالنصّ.