المولفات

المؤلفات > مَغزى البيعة مع المعصومين (علیهم السلام)

6

أقول ـ بعد مماشاة هذا الاُسلوب من تسلسل التفكير وتسليمه ـ : إنّه كان من الضروري أن يقول: إنّ بيعة الناس لعليّ  في يوم الغدير كانت بيعة على الحكم لا على التبليغ؛ وذلك لأنّ حقّ ولاية الحكم وإن كان بالأصل للناس حسب تصوّر هذا القائل ويعطى لشخص ما بالبيعة والعقد الاجتماعي حسب زعمه، ولكن الناس لم يكونوا قد أعطوا هذا الحقّ للرسول بعنوان ملك أيدي حتّى بلحاظ ما بعد موته، بل كانوا قد أعطوه بالبيعة بلحاظ مدّة حياته على ما مضى في الكلام الذي نقلناه عن هذا القائل آنفاً. إذن فالناس كانوا مالكين لأمرهم بلحاظ ما بعد موت النبيّ (صلى الله عليه و آله)، فلم لا يمكن لهم أن يعطوه لعليّ  بالبيعة في يوم الغدير؟! وهم لا يريدون إعطاء ولاية الأمر لعليّ  بلحاظ زمان حياة النبيّ كي يقال: إنّهم لا يملكون ذلك، لأنّهم أعطوه النبيّ (صلى الله عليه و آله)، وإنّما يريدون إعطاء ما يملكونه وهو ولاية أمرهم بلحاظ ما بعد موت النبيّ. أمّا البيعة مع عليّ  لأجل التبليغ فأمر لا معنى له حسب تصوّرات هذا القائل؛ لأنّ ولاية التبليغ ليست ملكاً للناس كي يعطوه إيّاه، وإنّما هذا ما يعطيه الله لعليّ  كما أعطاه للرسول منذ أوّل الرسالة وقبل حصول أيّ بيعة له.

بقيت في المقام شبهة التمسّك بآية الشورى وقد بحثنا هذه الآية مفصّلاً في كتابينا أساس الحكومة الإسلاميّة، وولاية الأمر في عصر الغيبة.

والذي نريد أن نقوله هنا هو أنّه لا يمكن التمسّك بهذه الآية لإثبات رأي القائل الذي بحثنا رأيه؛ وذلك لأنّه لو صحّت دلالة الآية على حقّيّة مبدأ الشورى لتحقيق ولاية الأمر، وفرض أنّ ذلك يشمل حتّى ولاية المعصوم، لكان معنى ذلك أنّ بيعة المعصوم ليست واجبة على الاُمّة؛ إذ لا معنى للشورى في الواجبات، بل عليهم أن يبايعوا بلا مشورة في حين أنّ هذا القائل على رغم أنّه يرى ولاية الأمر للمعصوم مشروطة بالبيعة يعتقد أنّه مع وجود المعصوم تجب على الاُمّة بيعته. ولو فرض أنّ أحداً ربط ولاية الرسول (صلى الله عليه و آله) للحكم بالبيعة، وقال أيضاً: إنّ بيعته غير واجبة فتُجعل بيعته وعدم بيعته رهناً للشورى، لما كان ذلك خروجاً عن المذهب فحسب، بل كان خروجاً عن الإسلام.

وختاماً بودّي أن أتشرّف بذكر دعاء ورد استحباب قراءته في كلّ يوم بعد صلاة الصبح:

«اللّهمّ بلّغ مولاي صاحب الزمان صلوات الله عليه عن جميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها، وبرّها وبحرها، وسهلها وجبلها، حيّهم وميّتهم، وعن والديّ وعن وُلدي وعنّي من الصلوات والتحيّات زنة عرش الله ومدادَ كلماته ومنتهى رضاه، وعدد ما أحصاه كتابه وأحاط به علمه. اللّهمّ إنّي اُجدّد له في هذا اليوم وفي كلّ يوم عهداً وعقداً وبيعة في رقبتي. اللّهمّ كما شرّفتني بهذا التشريف وفضّلتني بهذه الفضيلة وخصصتني بهذه النعمة فصلّ على مولاي وسيّدي صاحب الزمان، واجعلني من أنصاره وأشياعه والذابّين عنه، واجعلني من المستشهَدِين بين يديه طائعاً غير مُكرَه، في الصفّ الذي نعتّ أهله في كتابك كأنّهم بنيان مرصوص على طاعتك وطاعة رسولك وآله عليهم السلام. اللّهمّ هذه بيعة له في عنقي إلى يوم القيامة».

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

18. محرّم الحرام. 1416 هـ

كاظم الحسينيّ الحائريّ