المولفات

المؤلفات > بحث في اللقطة ومجهول المالك

4

وثانياً: قد ورد نهي المملوك عن الالتقاط معلّلاً بأنّه لا يملك من نفسه شيء، وأنّه لابدّ من التعريف سنة، فالمملوك الذي لا يستطيع القيام بهذه الوظيفة لا ينبغي له أن يلتقط، وهذا كما ترى يدلّ على جواز الالتقاط لمن يستطيع التعريف، والحديث الوارد بهذا الصدد هو ما رواه أبو خديجة(2) عن أبي عبد الله، قال سأله ذريح عن المملوك يأخذ اللقطة؟ فقال: "وما للمملوك واللقطة؟! والمملوك لا يملك من نفسه شيئاً، فلا يعرض لها المملوك فإنّه ينبغي أن يعرّفها سنة في مجمع، فإن جاء طالبها دفعها إليه، وإلا كانت في ماله، فإن مات كانت ميراثاً لولده ولمن ورثه، فإن لم يجئ لها طالب كانت في أموالهم هي لهم، فإن جاء طالبها بعدُ دفعوها إليه"(2). وسند الحديث تامّ إن لم نناقش في أبي خديجة.

وثالثاً: قد ورد في لقطة الحرم ـ التي تمتاز بنهي خاصّ عن الالتقاط، أي إنّ الأمر فيها أشدّ ـ الترخيص بالالتقاط لمن يعرّف، فقد ورد عن فضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد الله عن الرجل يجد اللقطة في الحرم؟ قال: "لا يمسّها، وأمّا أنت فلا بأس لأنّك تعرّفها"(3). وسند الحديث ضعيف.

وأيضاً ورد عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا جعفر عن لقطة الحرم، فقال: "لا تمسّ أبداً حتّى يجيء صاحبها فيأخذها". قلت: فإن كان مالاً كثيراً؟ قال: "فإن لم يأخذها إلا مثلك فليعرّفها"(4). وسند الحديث تامّ.

وقد ورد عن حريز بسند تامّ عن أبي عبد الله ـ في حديث ـ قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ألا إنّ الله عزّ وجلّ قد حرّم مكّة يوم خلق السماوات والأرض، وهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة؛ لا ينفر صيدها، ولا يعضد شجرها، ولا يختلى خلاها، ولا تحلّ لقطتها إلا لمنشد. فقال العبّاس: يا رسول الله، إلا الأذخر فإنّه للقبر والبيوت، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إلا الأذخر"(5).

فقوله: "لا تحلّ لقطتها" يدلّ على اشتداد النهي عن التقاط اللقطة في الحرم لغير المنشد؛ أي لغير المعرّف. وموضوع الكلام وإن كان هو مكّة ولكن المقصود منه كلّ الحرم؛ بقرينة كلامه عن تحريم الله مكّة، ونحن نعلم أنّ التحريم لكلّ الحرم، وتخصيص الحرم بالنهي عن الالتقاط إمّا يعني أنّ الالتقاط في غير الحرم لغير المنشد ليس حراماً وإن حرم عدم الإنشاد، أو يعني اشتداد الحرمة في الحرم، أو يعني ثبوت الحرمة حتّى على اللقطة التي يجوز التقاطها لغير المنشد في غير الحرم، وهي المحقّرات.

وعلى أيّ حال، فقوله: "إلا لمنشد" يدلّ على جواز الالتقاط في الحرم لمن يعرّف، فكيف بغير الحرم؟!.

بل بالإمكان القول بأنّ التقاط اللقطة ليس فقط غير مشتمل على الحرمة لمن يعرّف، بل غير مشتمل على الكراهة أيضاً بالمعنى المصطلح، وإنّما النهي الوارد عن التقاطها إرشاد إلى صعوبة التكليف المترتّب عليها أو إلى التخوّف عن الوقوع في الحرام من قبلها، كما يشهد لذلك تعليل النهي عن الالتقاط فيما مضى من رواية مسعدة بن زياد بأنّها حريق من حريق جهنّم، ويشهد لذلك أيضاً ما عرفته من روايات لقطة الحرم المخصّصة للنهي بغير من هو مثل فضيل بن يسار الذي يكون من المضمون قيامه بالتعريف.


(1) المقصود منه هنا سالم بن مكرم لا سالم بن سلمة؛ بقرينة رواية الوشا عن أحمد بن عائذ عنه، وسالم بن مكرم قد ذكر بحقّه النجاشي أنّه" ثقة ثقة "، ولكن قال الشيخ:" سالم بن مكرم يكنى أبا خديجة، ومكرم يكنى أبا سلمة، ضعيف..." إلا أنّ هذا التضعيف ليس بحجّة؛ لأنّ الشيخ تخيّل أنّ أباه يكنى أبا سلمة، فلعلّه اشتبهه بسالم بن أبي سلمة الذي قال عنه النجاشي:" حديثه ليس بالنقي، وإن كنّا لا نعرف منه إلا خيراً ".وأمّا سالم بن مكرم فهو المكنّى بأبي سلمة لا أبوه، كما جاء في سند بعض الروايات تكنيته بذلك، وكنّاه النجاشي والبرقي بذلك، ونقل النجاشي والكشّي أنّ أبا عبد الله كناه بأبي سلمة بعد أن كان مكنى بأبي خديجة.
(2) وسائل الشيعة 17: 370، ب 20 من اللقطة، ح 1.
(3) وسائل الشيعة 9: 362، ب 28 من مقدمات الطواف، ح 5.
(4) المصدر السابق: 361، ح 2.
(5) المصدر السابق: 175، ب 88 من تروك الإحرام، ح 1.