المولفات

المؤلفات > محل الذبح في الحجّ

15

الوجه الثاني: إنّ عدم إمكانية الإطعام في منى في عصر النصوص يعتبر فرداً نادراً أو معدوماً، فهو غير مشمول للإطلاق، ولهذا نحن نستشكل في إطلاق مثل ﴿أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ﴾(1) للعقود المستحدثة كعقد التأمين، ولا نستطيع أن نفتي بصحتها إلّا من باب التعدي إن ثبت قطع العرف بإلغاء الخصوصية، وفيما نحن فيه يكون احتمال الخصوصية لذبح يعقبه الإطعام في مقابل ذبح نعجز عن إطعامه واضحاً.

الوجه الثالث: إنّ مذابح اليوم خارجة عن منى، ولا دليل على وجوب ملاحظة الأقرب فالأقرب أو مكة أو الحرم أو وادي محسّر، وأمّا موثقة سماعة: قلت لأبي عبد الله: إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ فقال: «يرتفعون إلى وادي محسّر»(2) فلا علاقة لها بالذبح، وإنّما هي واردة بشأن الوقوف في منى لا مطلق ما يُؤتى به في منى، وقياس الاُضحية على الوقوف قياس مع الفارق؛ فإنّ الوقوف قائم بمنى نفسه ولا معنى للوقوف في غيره، فعند التعذر يرتفع الحاج ـبمقتضى هذه الروايةـ إلى وادي محسّر، وأين هذا من الاُضحية التي قد عرفت أنّها قد تتفق في غير منى أيضاً؟!

وعلى أيّة حال، فلا إشكال في أنّ الذبح في منى شرط في هدي الحجّ، فإن قلنا بأنّه شرط في ذلك على الإطلاق ـأي حتى مع التعذرـ فالنتيجة سقوط الهدي نهائياً لدى العجز عن ذلك، وإن قلنا بأنّه شرط مخصوص بحال الاختيار، جاز الذبح لدى العجز عن ذلك في أي مكان.

ولو فرض التوسّع في مكان الذبح لمطلق مكة، فإنّ هذا أيضاً متعذّر اليوم، فإن أمكن ذلك للنادر من الحاج فمن الواضح أنّ الجهات المسؤولة لا تسمح للعموم بذلك، فلا يمكن حل الإشكال عن طريق التوسع.

الوجه الرابـع: حرمة الإسراف والتبذير؛ قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾(3) و ﴿وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾(4) و ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾(5) و ﴿وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ﴾(6) و ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾(7) و ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً﴾(8).

وبعد فرض تسليم الإطلاق لدليل الاُضحية بالنسبة للمصاديق الفعلية مما يدفن أو يحرق، يجب أن نرى النسبة بين دليل وجوب الاُضحية ودليل حرمة الإسراف والتبذير:

فإن قلنا: إنّ النسبة بينهما نسبة التعارض بالعموم من وجه، قُدّم دليل حرمة الإسراف والتبذير بأقوائية الدلالة؛ فإنّ اُضحية كهذه المألوفة اليوم من أبرز مصاديق الإسراف والتبذير، في حين أنّها من أخفى مصاديق الاُضحية الواجبة؛ لما قلنا من أنّها كانت فرداً نادراً أو معدوماً في عصر النصوص.

ولو فرض التساوي في القوّة والتساقط، رجعنا إلى البراءة من تعيين مكان معيّن للذبح.

وإن قلنا: إنّ النسبة بينهما نسبة التزاحم، فملاك الاُضحية موجود في المقام وملاك الإسراف أيضاً موجود في المقام، فلابدّ من تقديم أقوى الملاكين وهو ملاك الإسراف.


(1) سورة المائدة، الآية: 1.
(2) وسائل الشيعة 13: 535، ب 11 من إحرام الحجّ والوقوف بعرفة، ح 4.
(3) سورة الأنعام، الآية: 141.
(4) سورة غافر، الآية: 43.
(5) سورة غافر، الآية: 28.
(6) سورة الأنبياء، الآية: 9.
(7) سورة الفرقان، الآية: 67.
(8) سورة الإسراء، الآية: 26 ـ 27.