المولفات

المؤلفات > محل الذبح في الحجّ

3

ولئن كان سند الحديث السابق معيباً بإبراهيم الكرخي حسب مبنى السيّد الخوئي، فَلِم لم يستدلّ على المقصود بهذا الحديث الذي لا غبار على سنده؟!

نعم، العيب الموجود في كلا الحديثين أنهما واردان في حج القران، في حين أنّ كلامنا في حج التمتع، فيتوقف الاستدلال بهذين الحديثين على دعوى عدم احتمال الفرق فقهياً في محلّ الهدي بين القران والتمتع؛ فإن تمّ هذا كفانا الحديث الثاني، وإن لم يتم لم تتم دلالة الحديث الأوّل أيضاً.

5 ـ حديث عبد الأعلى الذي رواه أبان عنه قال: قال أبو عبد الله: «لاهدي إلّا من الإبل، ولا ذبح إلّا بمنى»(1).

وقد ناقش السيّد الخوئي في سند الحديث بعبد الأعلى؛ لاشتراكه بين العجلي الثقة ومولى آل سام الذي لم تثبت وثاقته، بل نقل أبان عنه قرينة على أنّ المقصود هو مولى آل سام.

أقول: إنّنا لا نهتم بذلك؛ لأنّ عبد الأعلى مولى آل سام ممّن قد روى عنه ابن أبي عمير.

نعم، لدينا نقاش في دلالة الحديث؛ لأنّ وحدة السياق بين نفي الهدي إلّا من الإبل ونفي الذبح إلّا بمنى يبطل الدلالة؛ للقطع باستحباب الأوّل.

6 ـ حديث مسمع عن أبي عبد الله قال: «منى كلُّه منحر، وأفضل المنحر كلّه المسجد»(2).

وقد ناقش السيّد الخوئي (رحمه الله) في هذا الحديث سنده مع تسليمه للدلالة، فذكر أنّ دلالة الحديث واضحة ولكنّ السند ضعيف بالحسن اللؤلؤي الذي وقع فيه التعارض بين توثيق النجاشي وتضعيف ابن الوليد له حيث استثنى من روايات محمّد بن أحمد بن يحيى ما كان ينفرد به الحسن بن الحسين اللؤلؤي، على أساس أنّ محمّد بن أحمد بن يحيى وإن كان ثقة في نفسه لكنه يروي عن الضعفاء، وتبعه على ذلك الشيخ الصدوق وأبو العباس بن نوح(3).

أقول: إنّ تماميّة دلالة الرواية موقوفة على ما مضى من دعوى أنّ الاحتمال الفقهي يدور بين أن يكون منى هو المذبح وألاّ يكون أيّ تعيّن لمحل الذبح، فعندئذ يكون قوله: «منى كلّه منحر» دالاًّ على الأوّل. أمّا إذا تردّدنا بين أن يكون المنحر هو منى أو ما هو أوسع من منى كالحرم أو مكة وما حواليها، فالرواية لا تدلّ على اختصاص المنحر بمنى، فإنّها ليست ذات مفهوم، وإنّما هي بصدد بيان أنّ النحر في منى لا يكون في خصوص المسجد؛ لأنّ منى كلّه منحر ولكن المسجد أفضل.

وعلى أيّة حال، فلو تمّ إطلاق لإثبات أنّ الهدي في حج التمتع يجب أن يُذبح في منى، فقد يتصور أنّ من وجد الهدي ولكنه عجز عن ذبحه بمنى يسقط عنه الذبح، إمّا إلى بدل وهو الصوم أو لا إلى بدل.

ولكن يمكن أن يقال: إنّه حتى لو تمّ إطلاق من هذا القبيل فإنّنا نقيّده بإخراج فرض العجز عن الذبح في منى بأحد وجوه، لو تمّ أيّ واحد منها لثبت أنّ الهدي لا يسقط بالعجز عن ذبحه في منى، وأمّا دليل الانتقال إلى البدل وهو الصوم فإنّما ورد في من لم يجد الهدي، لا في من وجد الهدي ولكن عجز عن ذبحه في منى.


(1) المصدر السابق: ص 90، ح 6.
(2) المصدر السابق: 90، ح 7.
(3) المعتمد، كتاب الحجّ 5: 210.