المولفات

المؤلفات > محل الذبح في الحجّ

7

وتوضيح ذلك: أننا وإن فرضنا أنّ الآية بعد تقييدها بالذبح بمنى لم تدلّ على المطلوبية المستقلة للذبح في البيت العتيق ـأي المطلوبية التي لا تسقط بالعجز عن الذبح في منىـ لكنّنا لو قبلنا بعض الوجوه الماضية لإثبات عدم سقوط الذبح بالعجز عن إيقاعه في منى غير الوجه الأخير ـوهو إثبات تعدد المطلوب من نفس الآيةـ فلا أقلّ من أنّ ذلك الوجه قد قيّد إطلاق المقيّد للآية بقيد الذبح في منى، فإذا بطل إطلاق المقيّد لدى العجز بما كان تقيّداً له اُحيي مرة اُخرى إطلاق الآية، وبذلك ثبت وجوب كون الهدي محله البيت العتيق.

نعم، أصل الوجه الرابع هذا مع ما شرحناه الآن ـمن أنّه لا أقلّ من إثبات أولوية البيت العتيق للذبح في حج التمتع من الأمكنة الاُخرى لدى العجز عن إيقاعه في منىـ متوقف على عدم احتمال الفرق بين هدي القران وهدي المتعة في هذا الحكم؛ لأنّ الآية المباركة واردة في فرض القران ولا إطلاق لفظي لها للمتعة؛ لأنّ الآية تقول: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَل مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيق﴾(1).

ومن الواضح أنّ ثبوت منافع للحاجّ إلى أجل مسمّى إنّما يكون في من صحب الهدي معه.

وكان البعض يستشهد ـفي هذه السنة الفائتة التي عيّنت الحكومة فيها وادي معيصم للذبح لترجيح مكة على وادي معيصمـ بصحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله: إنّ أهل مكة أنكروا عليك أنّك ذبحت هديك في منزلك بمكة، فقال: «إنّ مكة كلّها منحر»(2).

ولا إشكال في أنّ ما يدلّ عليه هذا الحديث من ذبح الإمام بمنزله في مكة إنّما كان في العمرة لا في الحجّ، وإلّا لشاع وذاع نقل هذا العمل منه، الذي كان خلاف عمل المسلمين قاطبة في كلّ سنة، وقوله: «إنّ مكة كلّها منحر» كان في مقابل ما تخيّله بعض من أنّ المنحر في مكة هو فناء الكعبة أو ما بين الصفا والمروة، باعتبار أنّ هذا كان هو المتعارف ولعله المستحب كما تشهد له صحيحة معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله: «من ساق هدياً وهو معتمر نحر هديه في المنحر وهو بين الصفا والمروة؛ وهي بالحزورة»(3)، وموثقة إسحاق بن عمار: أنّ عبّاداً البصري جاء إلى أبي عبد الله وقد دخل مكة بعمرة مبتولة، وأهدى هدياً، فأمر به فنحر في منزله بمكة، فقال له عبّاد: نحرت الهدي في منزلك وتركت أن تنحره بفناء الكعبة وأنت رجل يؤخذ منك؟! فقال له: «ألم تعلم أنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله) نحر هديه بمنى في المنحر وأمر الناس فنحروا في منازلهم وكان ذلك موسّعاً عليهم؟! فكذلك هو موسّع على من ينحر الهدي بمكة في منزله إذا كان معتمراً»(4).

وحاصل مفاد جواب الإمام الذي أراد به تقريب المطلب إلى ذهن عبّاد البصري الذي هو من العامّة: أنّه كما أنّ في منى يوجد منحر لذبح هدي الحجّ وهو فناء مسجد الخيف وذبَح رسول الله (صلى الله عليه و آله) هديه في ذاك المنحر الخاص ـوإن كان منى كله منحراًـ فأمَر المسلمين فذبحوا في منازلهم، كذلك في مكة رغم وجود منحر خاص فيها في العمرة، وهو فناء الكعبة أو ما بين الصفا والمروة؛ تكون مكّة كلّها منحراً، فكان من حقّي أن أذبح في منزلي كما ذبح المسلمون في منى في منازلهم.


(1) سورة الحجّ، الآية: 33.
(2) وسائل الشيعة 14: 88، ب. من الذبح، ح 2.
(3) المصدر السابق: ص 89، ب. من الذبح، ح 4.
(4) المصدر السابق 13: 99، ب 52 من كفارات الصيد، ح 1.