المولفات

المؤلفات > تصوّرات عامّة عن الملك

16

قال (رحمه الله): والمانع عمّا تقتضيه اليد الثانية من الملكيّة عبارة عن عدم رضا صاحب اليد الاُولى بتملّك صاحب اليد الثانية. وأمـّا المانع عمّا تقتضيه من الضمان فهو أمران:

( الأوّل. فرض اليد الثانية كأنـّها اليد الاُولى، كما في الوكالة والنيابة.

( والثاني. رضا صاحب اليد الاُولى بحيازة اليد الثانية.

على فرق بين المانعين، وهو أنّ المانع الأوّل مانع بذاته، والمانع الثاني وهو الرضا ليس مانعاً بذاته، بل هو مانع بإطلاقه، أي أنّه ليس مطلق الرضا مانعاً، بل المانع هو الرضا المطلق، فلو كان ذلك رضاً مقيّداً بفرض الضمان لم يمنع عن الضمان.

وأمر اليد الثانية في تأثيرها في التمليك أو الضمان أو عدم تأثيرها موكول إلى صاحب اليد الاُولى. ويختلف حالها باختلاف ما يشاؤه صاحب اليد الاُولى.

قال (رحمه الله): فتكون ـ بحسب ذلك ـ لليد الثانية حالات أربع:

الحالة الاُولى ـ حالة عدم التأثير في التمليك ولا في الضمان، كما في حالة الاستيمان والوديعة، فاليد هنا لا تؤثّر أثر الملكيّة لعدم رضا صاحب اليد الاُوّلى بالتملّك. وقد مضى أنّ ذلك مانع عن التأثير في التمليك، ولا تؤثّر أثر الضمان أيضاً لكون اليد الثانية بمنزلة اليد الاُولى، وكأنـّها وكيل عنها في الحفظ. وهذا هو المانع الأوّل عن الضمان، وأيضاً لا ملكيّة ولا ضمان في مثل العارية والعين المستأجرة التي بيد المستأجر ونحو ذلك. أمـّا عدم الملكيّة فلعدم رضا صاحب اليد الاُولى بذلك. وأما عدم الضمان فلوجود المانع الثاني عن الضمان، وهو رضا صاحب اليد الاُولى بحيازة اليد الثانية.

وقد وقع فرق في كلمات الأصحاب بين العارية وشبهها من ناحية والوديعة من ناحية اُخرى، فاتّفقوا في الوديعة على أنّه لا يتحقّق الضمان ولو بالشرط، وفي العارية وشبهها اختلفوا في أنّه هل يتحقّق الضمان بالشرط أوْ لا؟(1) وكان هذا من الألغاز في كلماتهم، حيث يقال: إنّه هل يمكن إثبات إمضاء مثل هذا الشرط بدليل:. المؤمنون عند شروطهم. أوْ لا؟ فإن أمكن ذلك ثبت الضمان بذلك مطلقاً، وإلّا لم يثبت الضمان به مطلقاً، فما وجه التفكيك بين الوديعة ومثل العارية، والاتّفاق في الأوّل على عدم الضمان والاختلاف في الثاني؟!


(1) الظاهر أنّ الضمان في العارية مع الشرط إجماعيّ. راجع الجواهر 27: 183، وعليه النصوص، راجع الوسائل 13 الباب. و. و. من أبواب العارية. نعم وقع خلاف في الضمان بلا شرط في عارية الذهب والفضّة غير الدينار والدرهم بعد الاتّفاق على الضمان بلا شرط في عارية الدينار والدرهم مع إمكان إسقاط الضمان في ذلك بالشرط. راجع الجواهر 27: 184، والوسائل 13 الباب. من أبواب العارية.أقول: قد يدّعى ـ ولو بمعونة ارتكاز عدم كون عارية الدرهم والدينار ذات هدف عرفيّ غالباً، وارتكاز عدم الضمان في العارية غير المشروطة ـ أنّ المقصود من روايات الحكم في عارية الدرهم والدينار بالضمان إرجاع عاريتهما إلى القرض، ومن المعلوم أنّ المال المقترض مضمون في كلّ الحالات، ومنها التلف. وقد يدّعى ـ ولو بمعونة ارتكاز عدم الضمان في العارية غير المشروطة ـ حمل روايات الضمان في عارية الذهب والفضّة على كون المقصود بهما ما ورد في الروايات الاُخرى وهو الدينار والدرهم والتي حملناها على القرض.ثمّ إنّ شرط الضمان في باب الوديعة أو العارية يتصوّر بعدّة أنحاء:الأوّل ـ أن يفترض أنّ هذا الشرط ليس هو الشرط المصطلح الموجب لخلق الضمان من باب شرط النتيجة، وإنّما هو تقييد لإطلاق رضا المالك بالوديعة أو العارية بفرض الضمان. وهذا هو الذي يؤثّر في العارية ولا يؤثّر في الوديعة، لما ذكره اُستاذنا (رحمه الله) من أنّ المانع عن الضمان باليد في الوديعة مانع بذاته، والمانع عن الضمان باليد في العارية مانع بإطلاقه.الثاني ـ أن يفترض أنّ هذا الشرط هو شرط للنتيجة لخلق الضمان، ولكنّه ليس شرطاً في مقابل التزام على الموجب لصالح القابل بنتيجة العقد؛ لأنّ الموجب في الوديعة لا يلتزم بشيء لصالح الودعيّ. وهذا يعني أنّ هذا الشرط ـ في الحقيقة ـ شرط ابتدائيّ، فإنّ مجرّد ذكره في ضمن العقد لا يخرجه عن كونه ابتدائيّاً ما دام لم يكن كمكافأة للمشروط له على التزامه بنتيجة العقد، وهذا الشرط لا قيمة له؛ لأنـّه شرط ابتدائيّ، والشرط الابتدائيّ ـ بناءً على نفوذه ـ إنّما ينفذ في شرط الفعل لا في شرط النتيجة.الثالث ـ أن يفترض أنّ هذا الشرط هو شرط للنتيجة لخلق الضمان كمكافأة لما التزم به الموجب لصالح القابل. وهذا إنّما يتصوّر في العارية دون الوديعة؛ لأنـّه في العارية قد التزم الموجب بحل الانتفاع بالعين للقابل، فمن المعقول أن يشرط ذلك بالضمان. أمـّا في الوديعة فلم يلتزم الموجب بشيء لصالح القابل، وإنّما القابل فقط التزم بالحفظ لصالح الموجب، فلا معنى للشرط عليه بالضمان، وبهذا يكتمل تفسير الفرق في المقام بين الوديعة والعارية، فإنّ الظاهر أنّ العقلاء لا يفرّقون في رفض شرط الضمان في الوديعة بين ضمان الشرط وشرط الضمان بنحو شرط النتيجة. ولا أظنّ أنّ الفقهاء أيضاً يفصّلون بينهما.وبهذا أيضاً يتّضح الفرق بين فرض الأمانة البحتة وبين فرض الأجير الذي يأخذ العين بالاُجرة للحفظ أو النقل من مكان إلى مكان، أو لإجراء عمل عليها كالخياطة، فإنّ شرط الضمان في ذلك عقلائيّ بخلاف باب الوديعة. وتفسيره أنّ المستأجر قد التزم للأجير بنتيجة المعاملة من التبادل بين العمل والمال، كما أنّ الأجير التزم للمستأجر بذلك، فكلّ منهما بإمكانه أن يشترط شرطاً على الآخر بأن لا يقبل ذاك الالتزام إلّا بهذا الشرط. وهذا بخلاف باب الأمانة الذي ليس الالتزام فيه الّا من طرف الأمين، فلا معنىً لشرط المستأمن عليه بشيء.نعم، في باب الأمانة يتصوّر الشرط الابتدائيّ كما مضى، ولا أقصد بذلك مجرّد أخذ الوعد الابتدائي البحت غير المرتبط بأيّ شيء من الأشياء الذي لا ينبغي الإشكال في عدم صدق الشرط عليه، وإنّما أقصد بذلك شرطاً رتّب عليه الشارط عمله، وهو الاستيمان.وتوضيح ذلك: أنـّنا نقسّم الشرط إلى الابتدائي، وما هو في ضمن العقد، لا بالمعنى الذي قد يتبادر إلى الذهن من مجرّد ذكره ضمن العقد وعدمه، فإنـّه إن قصد ذلك كان هذا مجرّد اصطلاح بحت من دون افتراض فرق جوهري يعقل تأثيره في النفوذ وعدم النفوذ حسب ما يستظهر من الأدلّة، وفرض صدق عنوان الشرط الوارد في الأدلّة على خصوص ما ذكر ضمن العقد دون غيره تحكّم بحت، فسواء كان هذا هو مقصود المشهور من تقسيمهم للشرط إلىالابتدائي وما في ضمن العقد، أوْ لا، نحن نقسّم الشرط كالتالي:إنّ الشرط تارةً يكون كمكافأة للمشروط له الذي التزم بشيء أراده المشروط عليه.واُخرى لا يكون كذلك، ولكن الشارط ربط عملا من أعماله بهذا الشرط.وثالثة لا يكون هذا ولا ذاك، وليس عدا الحصول على وعد ابتدائي بحت.مثال الأوّل: البايع يشترط في قبوله بالبيع أمراً من الاُمور على المشتري، فهو لقاء التزامه بما يرغب فيه المشتري من البيع يفرض عليه شرطاً من الشروط. ولا ينبغي الإشكال في دخول ذلك تحت عنوان الشرط الوارد في أدلّة:. المؤمنون عند شروطهم )، ولا أثر لمجرّد كون هذا في ضمن العقد في صدق عنوان الشرط عليه وشمول النصوص له، بل حتى لو لم يكن ضمن العقد ولكنّه كان لقاء التزام الشارط بما يريده المشروط عليه صدق عنوان الشرط عليه عرفاً وشملته النصوص من قبيل ما لو التزم شخص بضيافة شخص آخر مثلا بشرط أن يصلّي الضيف صلاة الليل، فوفى ذلك الشخص بالضيافة فلا ينبغي الإشكال في وجوب وفاء الضيف بشرطه، ولا يصحّ له الاعتذار عن صلاة الليل بحجّة أنّ الشرط الابتدائي لا يجب الوفاء به. نعم، من حقّه أن يتراجع عن أصل الشرط قبل وفاء صاحبه بالضيافة إن لم يتعهّدا بالفعل بالضيافة وصلاة الليل، وإلّا لم يجز التراجع من طرف واحد لأنـّه خلاف الوفاء بالعقد والعهد.ومثال الثالث: أن يحصل شخص من شخص آخر على وعد ابتدائيّ بحت بضيافته، ولا ينبغي الإشكال في عدم صدق عنوان الشرط هنا عرفاً، وعدم شمول نصوص الشرط إيّاه.ومثال الثاني: المستأمن الذي اشترط على الأمين الضمان أو أيّ شرط آخر، فشرطه هذا لم يكن لقاء التزام للأمين، فإنّ المستأمن غير ملتزم بشيء تجاه الأمين ولم يكن مجرّد استحصال وعد بحت من الأمين بلا أيّ علاقة لذلك بعمل المستأمن، بل هو شرط رتّب المستأمن عمله عليه، فلولا قبول الأمين لشرطه كان من المحتمل أن لا يستأمن المال عنده، ويحفظه بنفسه أو يستأمنه عند شخص آخر.وهل يجب الوفاء بمثل هذا الشرط أوْ لا؟نستبعد ابتداءً التفصيل في وجوب الوفاء به وعدمه بين مجرّد عنوان ذكره ضمن العقد، كما في عقد الأمانة وعدم ذكره ضمنه، كما لو أراد شخص السفر فرتّب سفره على أن يلتزم فلان برعاية أطفاله وأهله في غيابه، وقد قبل فلان بذلك، فسافر ذاك الشخص، فهل يجوز لمن قبل هذا الشرط أن يتخلّف ولا يفي بالرعاية التي التزم بها؟ فإن وجب الوفاء وجب في المثالين، وإن لم يجب لم يجب فيهما.ولا يبعد القول بوجوب الوفاء وصدق عنوان الشرط على ذلك، وشمول النصوص له، إلّا أنّ هذا إنّما يكون في شرط الفعل من قبيل ما ذكرناه من مثال شرط رعاية الأطفال، أو من قبيل أن يشترط المستأمن على الأمين تعويضه على تقدير التلف بما يساويه بنحو شرط الفعل. أمـّا شرط النتيجة من قبيل شرط الضمان فلا دليل على نفوذه، لأنّ نصوص: «المؤمنون عند شروطهم» إنّما تدلّ على وجوب احترام الشرط بقدر ما هو مرتبط بالمشروط عليه وتعهد من قبله. أمـّا مشروعية المشروط في شرط الفعل ونفوذه في شرط النتيجة فهذا ليس داخلا في منظور النصوص، ولذا لو شككنا في حلّ شيء وحرمته لا يمكن إثبات حلّه باشتراطه ضمن عقد مثلا، فنفوذ شرط النتيجة يجب إمـّا أن يستفاد بارتكاز عقلائيّ ممضى بعدم الردع، ولا يوجد ارتكاز عقلائي كذلك في ما نحن فيه في شرط النتيجة الابتدائيّ ـ بالمعنى الذي قصدنا من الابتدائيّ، وهو غير المرتبط بالتزام الشارط بما في صالح المشروط عليه ـ، أو يستفاد من نصّ طبّق قاعدة وجوب الوفاء بالشرط على شرط النتيجة، فنفهم بالالتزام نفوذ شرط النتيجة. وذاك النصّ هو ما عن عليّ بن رئاب بسند تامّ عن أبي الحسن موسى قال: «سُئل وأنا حاضر عن رجل تزوّج امرأة على مائة دينار على أن تخرج معه إلى بلاده، فإن لم تخرج معه فإنّ مهرها خمسون ديناراً إن أبت أن تخرج معه إلى بلاده. قال: فقال: إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الشرك فلا شرط له عليها في ذلك ولها مائة دينار التي أصدقها إيّاها، وإن أراد أن يخرج بها إلى بلاد المسلمين ودار الإسلام فله ما اشترط عليها، والمسلمون عند شروطهم... إلخ»(الوسائل 15: 49، الباب 40 من أبواب المهور، الحديث 2.).إلّا انّ هذا التطبيق إنّما ورد في شرط النتيجة غير الابتدائيّ ـ أعني الشرط المرتبط بالتزام المشروط له بمفاد العقد للمشروط عليه ـ، واحتمال الفرق وارد، فلا يمكن التعدّي إلى مثل المقام.