المولفات

المؤلفات > تصوّرات عامّة عن الملك

29

وقد يبدو أنّ الالتزام يتحوّر في الشرائع الغربيّة إذا هو انتقل من المدين إلى وارثه وقَبِل الوارث الميراث محتفظاً بحقّ التجريد، فيفصل أموال التركة عن أمواله الشخصيّة ولا يكون مسؤولا عن ديون التركة إلّا في المال الذي ورثه، فيصبح الالتزام بعد أن انتقل إلى الوارث لا يمكن التنفيذ به إلّا على أموال التركة التي انتقلت إلى هذا الوارث، ولكن هذا التحوير ليس تحويراً حقيقيّاً، فالواقع من الأمر أنّ الالتزام بقي ـ من ناحية المال الذي يجوز التنفيذ عليه ـ كما كان في حياة المورّث، فقد كان عندئذ لا يمكن التنفيذ به إلّا على ماله فبقي كما كان....

وإذا كان قد أمكن في انتقال الالتزام بسبب الموت جعل الوارث خلفاً عامّاً للمورّث، وتصوير هذه الخلافة العامّة كأنـّها استمرار لشخصيّة المورّث، ففي انتقال الالتزام ما بين الأحياء حيث الخلافة خاصّة لا يمكن تصوير هذه الخلافة الخاصّة حال الحياة كما أمكن تصوير الخلافة العامّة بعد الموت استمراراً لشخصيّة السلف، ذلك أنّه إذا أمكن القول بأنّ المورّث ـ وقد زالت شخصيّته بالموت ـ يتصوّر استمرارها في شخص الوارث فإنـّه يتعذّر القول بأنّ السلف وهو لا يزال حيّاً تستمرّ شخصيّته في شخصيّة خلفه الخاصّ.

من أجل ذلك لم يكن ممكناً أن ينتقل الالتزام حال الحياة في القانون الروماني من دائن إلى دائن آخر، أو من مدين إلى مدين آخر عن طريق حوالة الحقّ أو عن طريق حوالة الدَين، ولم يكن ممكناً إذا اُريد تغيير شخص الدائن إلّا تجديد الالتزام بتغيير الدائن، أو اُريد تغيير شخص المدين إلّا بتجديد الالتزام بتغيير المدين، وفي الحالتين لم يكن الالتزام ذاته بمقوّماته وخصائصه هو الذي ينتقل من شخص إلى شخص آخر، بل كان الالتزام الأصليّ ينقضي بالتجديد، وينشأ مكانه التزام جديد بمقوّمات وخصائص غير المقوّمات والخصائص التي كانت للالتزام الأصليّ، وفي هذا الالتزام الجديد كان يتغيّر شخص الدائن، أو يتغيّر شخص المدين.

على أنّ الرومان كانوا يلجأون إلى طريقة اُخرى لتحويل الالتزام من دائن إلى دائن آخر دون تدخّل من المدين، فكان الدائن الأصليّ يوكّل من يريد تحويل الالتزام إليه في قبض الدَين باسمه من المدين، وكان هذا التوكيل وسيلة يستطيع بها الوكيل أن يقبض الدَين من المدين دون حاجة إلى رضائه بتحويل الدَين، ولكن هذه الطريقة لم تكن مأمونة، فإنّ الدائن الأصليّ كان يستطيع أن يعزل الوكيل قبل أن يقبض الدَين.