المولفات

المؤلفات > مالكيّة الأعيان والجهات

11

فمثلا قد نمتلك دليلا لفظيّاً دلّ على ملكيّة الدولة للأنفال ولكن لا نمتلك دليلا لفظيّاً دلّ على صحّة هبة شيء للدولة، أو على صحّة اقتراض الدولة مالا، أو نحو ذلك، وقد نمتلك دليلا على صحّة الوقف على المسجد ولا نمتلك دليلا على صحّة هبة النقود مثلا لمسجد مّا، أو اقتراض المسجد لمال مّا، وقد نمتلك نصّاً يدلّ على مالكيّة كلّيّ الفقير للزكاة ولا نمتلك نصّاً يدلّ على صحّة اقتراض كلّيّ الفقير أو هبة شيء له، وما إلى ذلك.

فقد يمكن علاج هذا النقص بأن يقال: إنّ الارتكاز العقلائيّ يحكم بأنّ الشخصيّة الحقوقيّة لا تتفكّك، فما يقبل الملك يقبل الاستدانة، وما يقبل الوقف عليه يقبل الهبة، فبإمضاء هذا الارتكاز بعدم الردع تثبت كلّ الأحكام الحقوقيّة للشخصيّات التي كانت في زمن المعصوم وعليها.

بل إنّ هذا البيان لو تمّ لأمكن إثبات جميع الشخصيّات الحقوقيّة به حتى التي لم تكن موجودة في زمن المعصوم، فمثلا الشركة القانونيّة نثبت الشخصيّة الحقوقيّة لها بالبيان التالي: إنـّنا لو لم نعترف بالشخصيّة الحقوقيّة والقانونيّة لهذه الشركة فلا إشكال في أنّ هناك مؤسّسة لها غاياتها، أو قل: شركة عاديّة مملوكة بالاشتراك لأصحابها.

ولا إشكال في أنّ من حقّ أحد أن يوقف شيئاً مّا على هذه المؤسّسة أو الشركة تصرف منافعه في مصالحها إن كان يعتبر ذلك أمراً خيرياً، وذلك تمسّكاً بعمومات الوقف، وهذا يعني إثبات شيء من الشخصيّة الحقوقيّة لهذه الشركة أو المؤسّسة، وهو امتلاك العين الموقوفة بناءً على أنّ الصياغة العقلائيّة لفهم مغزى الوقف على شيء أو جهة هي امتلاك الموقوف عليه للعين الموقوفة التي تحبس وتسبل منفعتها لذاك الشيء أو لتلك الجهة.

فإذا ثبت بدليل الوقف هذا الجزء من الشخصيّة الحقوقيّة لتلك الشركة ضممنا ذلك إلى ما يحكم به الطبع العقلائيّ من ارتكاز عدم إمكان التفكيك بين الحقوق للشخصيّة الحقوقيّة وعليها، وبناءً على أنّ هذا ارتكاز ناشئ من طبع العقلاء فهو ممتدّ إلى زمان المعصوم، فبناءً على أنّ عدم الردع يدلّ على إمضاء الارتكاز حتى المقدار غير المترجم بالعمل في زمن المعصوم تثبت صحّة هذا الارتكاز، وبهذا تصحّح كلّ الشخصيّات الحقوقيّة المألوفة في الفقه الغربي في منطق فقهنا الإسلامي.

بل النتيجة أوسع بكثير ممّا ألفه الفقه الغربي، فلا فرق عندنا بين الشركة العادية والشركة القانونيّة لإمكان وقف عين على الشركة العادية. وكلّ عنوان من العناوين أو جهة من الجهات أمكن الوقف عليه يأتي فيه هذا البيان، فبما أنّه يصحّ وقف شيء على عنوان العلماء مثلا إذن فللعلماء شخصيّة حقوقيّة، لأنّ هذا العنوان يملك ما يوقف عليه، وبالتالي تثبت له وعليه كلّ الحقوق، وهكذا نسري الفكرة إلى دائرة أوسع بكثير من الدائرة المألوفة في الفقه الغربيّ. نعم، كلّ هذا يختصّ بالاُمور الخيريّة.

ولكن الواقع أنّ ثبوت هذا الارتكاز ـ أعني ارتكاز عدم التفكيك في الشخصيّات الحقوقيّة بين الحقوق خاصّة في زمن المعصوم ـ غير واضح، إلّا في عنوان طبّق بالفعل على إنسان فأصبح الإنسان مالكاً لما يملكه العنوان كعنوان الدولة أو الإمام المنطبق على شخص الإمام، فملك بذلك ممتلكات الإمام، فهذه الممتلكات وإن كانت لا تنتقل >الى وارثه لأنّها ليست ملكاً له بما هو شخص بل هي ملك له بما هو إمام وبما هو متقمّص قميص الدولة لكن هذا الإنسان الذي أصبح يمتلك بعض الممتلكات بوصفه إماماً يستطيع أن يستدين بهذا الوصف، أو أن توهب له أموال بهذا الوصف.