المولفات

المؤلفات > مالكيّة الأعيان والجهات

8

نعم، رغم كلّ هذه المناقشات لا ننكر صحّة بعض المصاديق التي ذكرها الاُستاذ الزرقاء في الجملة، ولو تمّت كلّ المصاديق التي ذكرها فهي غير كافية لدينا لإثبات كلّ الشخصيّات المعنويّة والحقوقيّة الواردة في الفقه الغربي بعرضها العريض في فقهنا الإسلامي، وإن كان ذلك قد يكفي لإثبات المقصود لدى أمثال الاُستاذ الزرقاء على أساس مباني القياس والاستحسان والمصالح المرسلة، أمّا نحن الذين لا نؤمن بهذه المباني فهذا المقدار من البيان لا يكفينا لإثبات المقصود، بل لا بدّ من استئناف البحث في المقام.

وإذا أردنا استئناف البحث في المقام فلا ينبغي أن يكون ذلك بالروح الموجودة خطأً لدى بعض كتّابنا الإسلاميّين الذين يرون من ناحية في النظم الغربيّة ومفاهيمها اُبّهة ورقيّاً وكمالا، ومن ناحية اُخرى يريدون أن يثبتوا كمال الإسلام وعظمته فيحمّلونه نُظم الغرب ومفاهيمه كي يكونوا بذلك مدافعين عن الإسلام ويحسبون أنّهم يحسنون صنعاً. وقد وقع مثل هذا الخطأ في كثير من المفاهيم والاُمور من قبيل الديمقراطيّة التي قد تحمّل على الإسلام بتخيّل أنّ هذا تعظيم للإسلام وتمجيد له بعد افتراض أنّ الديمقراطيّة هي النظام المتقدّم الكامل للحكم مثلا.

وعلى أيّة حال، فهنا طرق ثلاثة لإثبات الشخصيّات الحقوقيّة الثابتة وفق المنهج الغربي وتصحيحها وفق اُسس فقهنا الإسلامي.

التمسّك بإمضاء الشارع للارتكاز العقلائي:

الطريق الأوّل: التمسّك بإمضاء الشارع لهذه الشخصيّات الحقوقيّة وأحكامها الثابت بعدم الردع. وتوضيح ذلك: أنّه لا إشكال ـ كما نقّحناه في أبحاثنا الاُصوليّة ـ في أنّ السيرة العقلائيّة المعاصرة لزمن المعصوم وارتكازاتهم بقدر ما ترجمت وقتئذ بالعمل يثبت إمضاؤها بعدم الردع.

ولكن هناك كلاماً في أنّ الإمضاء الثابت بعدم الردع هل يختصّ بالمقدار المترجم بالعمل وقتئذ؟ أو يشمل المقدار الذي كان كامناً في الارتكاز العقلائيّ وإن لم يترجم بالعمل في ذلك الزمان؟

ومثاله قانون مملّكيّة الحيازة التي هي مرتكزة في ذهن العقلاء وقد ترجمت في زمن المعصوم في العمل بمقدار الحيازات الجزئيّة التي يقدر عليها الفرد غير المسلّح بالأدوات الحديثة وقد سكت الشارع عنها ولم يردعها، فهل هذا إمضاء لمملّكيّة الحيازة بالمقدار المتعارف وقتئذ فحسب؟ أو إمضاء لأصل ارتكاز مملّكيّة الحيازة بعرضها العريض؟! فالحيازات الواسعة التي تقع اليوم بالوسائل الحديثة وإن لم تكن موجودة في عصر المعصوم لكنّها لو كانت قد وجدت لَحكمَ العقلاء وقتئذ بحصول الملك على أثرها، لأنّ القاعدة المرتكزة لديهم في ذلك أوسع من المقدار الواقع خارجاً في ذاك الزمان، وضيق دائرة التملّك بالحيازة كان ناتجاً عن ضيق القدرات لا عن ضيق الارتكاز، فهل يشمل الإمضاء المنكشف بعدم الردع لهذا الارتكاز بعرضه العريض أوْ لا؟