المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (1)

10

النقطة الثالثة: وهي أنّ الصلاة هي العمل الأوّل والأساس لتهذيب النفس

فقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿... أقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون﴾(1).

وقد يبدو للخاطر: أنّه ما معنى إخباره سبحانه وتعالى عن نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر في حين أنّ أكثر الناس الاعتياديين لا تنهاهم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر، بدليل أنّهم يصلّون وفي نفس الوقت ـأيضاًـ يصدر منهم بعض الفسوق.

ولكن الواقع: أنّه في الغالب بل الدائم لا تنفك الصلاة عن النهي عن الفحشاء والمنكر، إلا أنّ هذا النهي يتقدّر بقدر حضور المصلي لدى المليك المقتدر في صلاته. وكيف يتعقَّل ـ عادة ـ أن يحضر العبد بمحض اختياره ورغبته لدى سلطان دنيويّ في اليوم خمس مرّات، ويحسّ بعظمته وجلاله ثمَّ لايؤثِّر ذلك في ترك مخالفته لذلك السلطان، أو تقليل المخالفة ولو جزئياً؟! فإذا كان هذا حال الحضور لدى سلطان دنيويّ عاجز مسكين مستكين فكيف بالحضور لدى المليك المقتدر؟ وإن كانت سَعة رحمته قد تُجرّئ العبد على المعصية. «فلو اطّلع اليوم على ذنبي غيرك ما فعلته، ولو خفت تعجيل العقوبة لاجتنبته، لا لأنّك أهون الناظرين إليَّ، وأخفّ المطّلعين عليّ، بل لأنّك ياربّ خير الساترين، وأحكم الحاكمين، وأكرم الأكرمين...»(2). نعم، يتقدَّر النهي عن الفحشاء والمنكر بقدر ما يكون للإنسان من حضور القلب، فمن يضعف ويقلُّ حضوره يقلّ نهي الصلاة إيّاه عن الفسوق، ولكن لو كان يترك الصلاة لكان يتوغل في هاوية الفسوق أكثر، ومن يتمُّ حضوره في الصلاة أمام الربّ بتمام ما للكلمة من معنى يكون ذلك في نهيه إيّاه من الفحشاء والمنكر بمرتبة ما يوازي العصمة أو يقاربها.

وقد روي عن ابن عباس: أنّه أُهدي إِلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) ناقتان عظيمتان، فجعل إحديهما لمن يصلّي ركعتين لا يهمّ فيهما بشيء من أمر الدنيا. ولم يجبه أحد سوى عليّ (عليه السلام)، فأعطاه كلتيهما(3).


(1) السورة 29، العنكبوت، الآية: 45.
(2) دعاء أبي حمزة الثمالي.
(3) البحار 41: 18.