المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (1)

17

استنتاجٌ وإضافة:

أمّا الاستنتاج: فقد اتَّضح أنّ أوّل خطوة للسلوك هو الخشوع في الصلاة، وقد أشار القرآن إِلى ذلك في آيتين:

الأُولى ـ قوله سبحانه وتعالى: ﴿قد أفلح المؤمنون. الذين هم في صلاتهم خاشعون﴾(1). فقد جعل أوّل علامة الإيمان هو الخشوع في الصلاة.

والثانية ـ قوله سبحانه وتعالى: ﴿واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلّا على الخاشعين﴾.

فمن يصلّي بهدف التخلّص من مسؤوليّة الوجوب، وليس بدافع خشوعه القلبي لله واستغراقه في ذات الله، يحسّ بثقل الصلاة، ويتمنّى في أثناء صلاته بين آونة واُخرى أن تنتهي الصلاة كي لا تشغله عن أعماله وعن علاج مشاكله التي هو مصاب بها، فَمَثله مثل رجل مريض يراجع الطبيب، وينتظر في صفّ المرضى المنتظرين ولو لعدّة ساعات، ويتحمل ذلك لعلمه بأنّ هذا لابدّ له منه علاجاً لمرضه أو نجاةً من الموت الاحتمالي، لكنّه يتمنّى في كل لحظة أن تنتهي هذه المراجعة كي يفرغ لسائر أعماله وهمومه. أمّا من يتشرف بلقيا عظيم من العظماء كالسيد الإِمام (رحمه الله) أو السيد الشهيد الصدر (رحمه الله) ممّن يكون خاشعاً له مستغرقاً في حبِّه ملتذّاً بحضوره لديه فقد تمضي عليه الساعات الطوال ولا يحس أصلاً بمرور الزمن، فكأنّ هذا هو معنى قوله سبحانه وتعالى: ﴿وإنّها لكبيرة إلّا على الخاشعين﴾، أي: أنّ غير الخاشع إن كان يصلي يرى أن صلاته قد زاحمت أعماله وأشغاله الأُخرى، فهو قد يأتي بالصلاة باعتبار اعتقاده بوجوبها، لكنّه يحس بثقلها ومشقتها. وأمّا الخاشع فهو الذي يلتذّ بالصلاة، فلا يحس بثقلها، وكأنّه يغفل عن مرور الزمن عليه في حال الصلاة.

للهِ قـومٌ إِذا مـا الـلّـَيـل جـنّـهـمـو قاموا من الفرشِ للرحمنِ عُبَّادا
ويـركـبـون مـطـايـا لا تملُّهمو إذا هُمو بمنادي الصبحِ قد نادا
هُمو إذا ما بياضُ الصبحِ لاحَ لهم قالوا من الشوقِ ليت اللَّيلَ قد عادا
الأرضُ تبـكي عليـهم حينَ تفقدُهمْ لأنّـهـم جـعـلـوا للأرضِ أوتادا


(1) السورة 23، المؤمنون، الآية:. ـ 2.