المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (1)

19

وقد ورد عن الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه و آله): أنه قال لعليّ (عليه السلام): «يا عليّ إنّ هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، ولا تبغّض إِلى نفسك عبادة ربّك إنّ المنبتّ ـ يعني المفرط ـ لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع، فاعمل عمل من يرجو أن يموت هرماً واحذر حذر من يتخوّف أن يموت غداً»(1).

وعن أحدهما (عليهما السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه و آله): «إنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فتنفّلوا، وإذا أدبرت فعليكم بالفريضة»(2).

وعن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل، وإذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض»(3).

الثالث ـ كلّما تقدّم السالك في سلوكه ازداد ثقل كاهله، ولن يصل إِلى مرحلة التخفيف، فهاهم أنبياء الله العظام الذين وصلوا في سلوكهم فوق مايتصوَّره متعارف الناس ترى عظم مسؤوليتهم وثقل كاهلهم. وكنموذج لذلك نشير إِلى قِصَّة يونس على نبيّنا وآله وعليه الصلاة والسلام، فهو حينما غضب على قومه الكفرة الفجرة، وكان غضبه لله لم يستطع الصبر على ذلك حتى دعا عليهم، وهذا أمر لو صدر من أحدنا لشكرنا الله عليه، ولكُنَّا بذلك من الممدوحين، ولكنّ الله ـ تعالى ـ أدّبه على ذلك بسجنه في بطن الحوت، وقال: ﴿فلولا أنه كان من المسبحين. للبث في بطنه إِلى يوم يبعثون﴾(4). وذلك لالشيء إلّا لأنّ حسنات الأبرار سيئات المقربين، ولا لشيء إلّا لأنّه كان يتوقّع منه أن يكون أوسع صدراً من ذلك. وهذه مسؤوليّة لا نتحمل نحن عُشراً من معشارها.

وهذا رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد أذِنَ للبعض بهدف المداراة وحسن السلوك مع الناس؛ لتقريبهم بذلك إِلى الله الأمر الذي لو صدر من أحدنا لكُنّا من الممدوحين والمشكور على عملهم، ولكنّ الله ـتعالى ـ أدّبه فأحسن تأديبه حينما قال: ﴿عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم حتى يتبيّن لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين﴾(5).


(1) الوسائل 1: 110، الباب 26 من مقدمة العبادات، الحديث 7.
(2) الوسائل 4: 69، الباب 16 من أعداد الفرائض، الحديث..
(3) نهج البلاغة: 721، رقم الحكمة: 312.
(4) السورة 37، الصّافات، الآيتان: 143 ـ 144.
(5) السورة 9، التوبة، الآية: 43.