المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (1)

8

وممّا يدلُّ على ذلك ـ أيضاً ـ قوله سبحانه وتعالى: ﴿لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدّعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون﴾(1)، فلو أنّ قلوبنا لم تخشع ولم تتصدّع من خشية الله فهذا دليل على أنّ القرآن لم ننزله بمعنى الكلمة على قلوبنا، ولم نهضمه فيما بين جوانحنا، وحينما نقرأه لا نهتم إلّا بقراءة الألفاظ من دون إنزال المعاني بدقيق الكلمة على أفئدتنا.

وفي الحديث عن الصادق (عليه السلام): «لقد تجلّى الله لخلقه في كلامه، ولكنّهم لايبصرون»(2).

وكلّنا نعلم أنّ كتاب الشخص يمثّل شخصيته، وحتى الرسالة المختصرة التي تُردّد بين صديقين قد تُمثّل شخصية صاحب الرسالة، فمن الطبيعي أنّ يقال: «لقد تجلّى الله لخلقه في كلامه ولكنّهم لا يبصرون» وهذا المعنى صادق بلحاظ كتابي الآفاق والأنفس أيضاً، إلّا أنّه بالنسبة للقرآن أوضح وأسهل للدرك لدى الناس الاعتياديين.

وتوجد بعض القصص والحكايات في تأثير التدبّر في القرآن وإحيائه للقلوب من قبيل:

1 ـ ما يُحكى عن الفضيل بن عياض: أنّه كان في أوّل أمره يقطع الطريق بين ابيورد وسرخس، وعشق جارية، فبينما يرتقي الجدران إليها سمع تالياً يتلو: ﴿ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله...﴾. فقال: يا ربِّ قد آن، فرجع وأوى إِلى خربة، فإذا فيها رفقة، فقال بعضهم نرتحل، وقال بعضهم حتى نصبح، فإنّ فضيلاً على الطريق يقطع علينا. فتاب الفضيل وآمنهم. وحكي أنّه جاور الحرم حتى مات(3).

2 ـ قيل: كان لفضيل ولد اسمه علي، وكان أفضل من أبيه في الزهد والعبادة، إلّا أنّه لم يتمتع بحياته كثيراً، وكان سبب موته أنّه كان يوماً في المسجد الحرام واقفاً بقرب ماء زمزم فسمع قارياً يقرأ: ﴿وترى المجرمين يومئذ مقرّنين في الأصفاد* سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار﴾ فصعق ومات(4).


(1) السورة 59، الحشر، الآية: 21.
(2) البحار 92: 107.
(3) سفينة البحار 7: 103، مادة (الفضيل).
(4) نفس المصدر السابق، والآيتان: 49 ـ 50 في سورة 14 إبراهيم.