المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (2)

15

2 ـ شبابنا في جبهة القتال في الحرب الظالمة التي شنّها طاغية العراق صدّام على إيران الإسلام كانوا يتهافتون ويتسابقون لتفدية أنفسهم بالسير على الألغام لفتح الطريق للمقاتلين، لا لتكميل انفسهم (وان كملوا بذلك) بل لإعلاء كلمة الله على وجه الأرض.

3 ـ العبّاس (عليه السلام) لا يمتنع عن شرب الماء لتكميل نفسه وإنْ كملت نفسه بذلك، أو كانت كاملة من قبل، وإنّما يمتنع عن ذلك لأنّه تذكّر عطش الحسين (عليه السلام) وأهل بيته، فرمى الماء وملأ القربة، وقال:

يا نفس من بعد الحسين هوني
وبعده لا كنت أن تكوني
هـذا الـحـسين وارد المنون
وتـشربين بارد المعينِ
 

تالله ماهذا فعال دينِ(1)هذا هو والله ذبح النفس المنتهي إِلى خطاب العبّاس (عليه السلام) لنفسه بالأمر بالهوان وبالفناء، وليس ذبح النفس أن يأتي درويش ويلفّ العمامة على عنق الخطيب، ويخرجه من المسجد، فإنّ ذبح شخص لنفس شخص آخر لا قيمة له، وإنّما القيمة تكمن فيالتضحية والفداء بمحض الإرادة والاختيار.

والعمل السياسي الاجتماعي في سبيل الله من أقصر الطرق لرفع سُمك المادّة عن ملاحظة المعنويات أيضاً ولتهذيب النفس وتزكيتها. وإليك مَثَلان من آلاف الأمثلة:

1 ـ رُوِيَ(2) أنّ وهب كان نصرانيّاً فأسلم هو وأُمّه على يدي الحسين(عليه السلام). وأمرته أُمّه في يوم عاشوراء بنصر ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال: أَفعل يا أُمّاه ولا أُقصّر، فبرز وقاتل وقَتَل من الأعداء جماعة. فرجع إِلى أُمّه وامرأته، فوقف عليهما فقال: يا أُمّاه أرضيتِ؟ فقالت: ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين (عليه السلام) فقالت امرأته: بالله لا تفجعني في نفسك، فقالت أُمّه: يا بنيّ لا تقبل قولها وارجع، فقاتل بين يدي ابن رسول الله، فيكون غداً في القيامة شفيعاً لك بين يدي الله. فرجع وقاتل وقتل جمعاً إِلى أن قطعت يداه، فأخذت امرأته عموداً وأقبلت نحوه وهي تقول: فداك أبي وأمّي قاتل دون الطيّبين حرم رسول الله، فأقبل كي يردّها إِلى النساء، فأخذت بجانب ثوبه وقالت: لن أعود أو أموت معك، فقال الحسين(عليه السلام) : « جزيتم من أهل بيتي، ارجعي إِلى النساء رحمك الله». فانصرفت، وجعل يقاتل حتى قُتِلَ (رضوان الله تعالى عليه).


(1) البحار 45/41، المتن وتحت الخط.
(2) راجع البحار 45/16 ـ 17.