المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (2)

16

2 ـ إنّ حرّ بن يزيد الرياحي ارتكب أعظم جريمة بمنعه للحسين (عليه السلام) وأصحابه وأهل بيته عن الرجوع إِلى المدينة، ولكنّ المشهد الاجتماعي الذي شاهده في كربلاء هزّه(1) إِلى حدّ أخذته الرعدة، فقال له المهاجر بن أوس: إنّ أمرك لمريب، والله ما رأيت منك في موقف قطّ مثل هذا، ولو قيل لي: مَن أشجع أهل الكوفة؟ لما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك؟.

فقال له الحرّ: إنّي والله أُخيّر نفسي بين الجنّة والنار، فوالله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قُطِّعت وأُحرِقت. ثمّ ضرب فرسه فلحق الحسين (عليه السلام)، فقال له: جعلت فداك يابن رسول الله أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المكان، وما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضته عليهم، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، والله لو علمت أنّهم ينتهون بك إِلى ما أرى ما ركبت مثل الذي ركبت، وأنا تائب إِلى الله ممّا صنعت، فترى لي من ذلك توبة؟ فقال له الحسين (عليه السلام): « نعم يتوب الله عليك ». فقاتل (رحمه الله) الأعداء إِلى أن قُتل في سبيل الله، فاحتمله أصحاب الحسين (عليه السلام) حتى وضعوه بين يدي الحسين (عليه السلام) وبه رمق، فجعل الحسين يمسح وجهه ويقول: «أنت الحرّ كما سمّتك أُمّك، وأنت الحرّ فيالدنيا، وأنت الحرّ في الآخرة».

والخلاصة: أنّ المسلك الصحيح في تهذيب النفس وتزكيتها هو: الجمع بين الأمرين: كسر ضيق النفس عن مصالح الآخرين، وتخفيف حجاب سُمك المادّة عن مشاهدة المعنويات والسفر إليها والالتذاذ بلقاء الله بعين القلب والبصيرة.

ففي الأوّل يجب أن نقتدي بإمامنا أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي كان يعطف على الأسير الذي تحت يده وإن كان قاتلاً له (عليه السلام)، ويقول للحسن (عليه السلام): «ارفق ياولدي بأسيرك، وارحمه، وأحسن إليه، وأشفق عليه، ألا ترى إِلى عينيه قد طارتا في أُمّ رأسه، وقلبه يرجف خوفاً ورعباً وفزعاً.

فقال له الحسن (عليه السلام): يا أباه قد قتلك هذا اللعين الفاجر، وأفجعنا فيك وأنت تأمرنا بالرفق به؟ !


(1) راجع البحار 45/10 ـ 11 و 14.