المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (4) حقائق عن التّصوّف

6

وعلى أيّة حال، فنحن لا نهدف هنا إِلى ذكر أعمدتهم وأركانهم، وإنّما كان هدفنا الإشارة إِلى أنّ مدرسةً فُتِحت في أحضان أبناء العامّة، ثمّ سرت في وقت متأخّر ـ وفي أغلب الظنّ بعد غيبة الإمام (عليه السلام) إِلى الشيعة يكون أمرها مُريباً لنا؛ لأنّه لا يتحقّق هذا الوضع إلّا لسببين: فتح مدرسة في مقابل مدرسة الائمة (عليهم السلام)، وإرواء العطش الروحي لدى السُنّة الذي لم يكن يُحَسّ به لدى الشيعة؛ وذلك لارتوائهم من معين الأئمّة المعصومين (عليهم السلام).

وهذا شبيه تماماً بما وقع في علم الأُصول من حُجيّة القياس والاستحسان والمصالح المرسلة لدى السُنّة دون الشيعة فهي عبارة عن مدرسة الرأي ـ في مقابل مدرسة الأئمّة (عليهم السلام) التي هي مدرسة النص ـ التجأ إليها السُنّة لفقرهم في مدارك تحصيل الأحكام، بينما لم تكن الشيعة تحسّ بهذا الفقر. وذلك لامتداد عصر النصّ عندهم بامتداد الائمة (عليهم السلام).

وأُؤكّد ـ هنا أيضاً ـ أنّني لا أثِق بأنّ كلَّ من طرحته الصوفيّة بعنوان أنّه منهم أو من اركانهم فهو كذلك.

وختاماً أُشير إِلى أنّ هناك نمطاً آخر ممّن تفترضهم الصوفيّة من أركانهم ودعائمهم يختلف عن نمط الأسماء التي مضى ذكرها، وهو عبارة عن أُناس سجَّل لهم التاريخ نوعاً من الورع والتقوى، ونوعَ تعاطف مع أئمّتنا (عليهم السلام) ممّا يشهد على أنّهم لم يكونوا أعداءً للأئمّة برغم عدم اعترافهم بإمامتهم (عليهم السلام)، ولا ندري هل كانوا حقّاً منتمين إِلى مدرسة التصوّف ولو إرواءً لعطشهم الروحي، بعد عدم اعترافهم بإمامة الأئمّة، أو إنّ الصوفيّة لمّا رأوا أنّ التاريخ سجّل لهم الورع والتقوى اشتهوا أن ينتحلوهم؛ لكي يقووا بهم، أو لكي ينهوا سلاسلهم اِلى أُناس متقين. وأذكر هنا على سبيل المثال ثلاثة أسماء:

الأوّل ـ شقيق البلخي الذي يقال عنه: إنّه كان صوفيّاً، وكان تلميذاً لإبراهيم الأدهم(1). وقد سجّل له التاريخ(2) أنّه كان في بداية أمره صاحب ثروة ومكنة كبيرة، وكان يُكثر الأسفار للتجارة، فسافر في بعض السنين إِلى بلاد الترك إِلى بلد كان أهله وثنيين، فقال لأحد أكابرهم: إنّ عبادتكم لهذه الأصنام باطلة، فهي ليست بآلهة، وللمخلوق خالق سميع عليم لا يشبهه شيء، وهو الرازق لكل حيّ، فقال له ذاك الوثني:


(1) الطبقات الكبرى. / 110 بحسب تخريجة كتاب الغدير 11. 171.
(2) لعلّ الصحيح: الرعونة.