المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (5) ثوب التّقوى وحقيقته

5

وأقول ـ أيضاً ـ بماذا تُفسّر وقفة الإمام المعصوم الحسين (عليه السلام) عشيّة عرفة حينما خرج من خيمته في عرفات بغاية التذلل والخشوع، ووقف في مسيرة الجبل، وتوجّه إِلى جهة الكعبة، ورفع يده حذاء وجهه كالسائل المسكين، وقال في جملة ما قال: «أنا الذي أسأت، أنا الذي أخطأت، أنا الذي هممت، أنا الذي جهلت، أنا الذي غفلت، أنا الذي سهوت، أنا الذي اعتمدت، أنا الذي تعمّدت، أنا الذي وعدت، وأنا الذي أخلفت، أنا الذي نكثت، أنا الذي أقررت، أنا الذي اعترفت بنعمتك عليّ وعندي وأبوء بذنوبي فاغفرها لي...» وفي أوآخر الحديث يقول الراوي: «ثُمّ رفع رأسه (يعني الحسين (عليه السلام). ونظر إِلى السماء وعيناه تقطران دموعاً كأنهما سقاءان يجري منهما الماء، ونادى بأعلى صوته: يا أسمع السامعين، يا أبصر الناظرين...» إِلى آخر الدعاء. قال: «وقد صغى كلّ من كان في محضره (عليه السلام) لدعائه، واكتفوا بقولهم آمين، ثُمّ ارتفعت أصواتهم بالبكاء معه (عليه السلام) حتى غربت الشمس...»(1).

وبودّي أن أقف وقفةً قصيرةً على قوله (عليه السلام): «أنا الذي وعدت، وأنا الذي أخلفت، أنا الذي نكثت» فقل لي بالله عليك: من الذي يكون أوفى بالوعد والعهد من الإمام الحسين (عليه السلام) ؟!

وهنا يناسب ذكر هذه القِصّة الطريفة:

ينقل(2) عن المرحوم السيد ضياء الدين الدرّي أحد خطباء طهران البارعين: أنّه خطب في آخر سنة من سني عمره في عشرة العاشور في طهران، وفي ليلة من الليالي (الثامنة أو التاسعة) سأله شابّ قبل الخطاب: ماهو المراد من هذا البيت (وهو موجود في ديوان الشاعر الفارسي المعروف حافظ):

مريد پير مغانم ز من مرنج اى شيخ
چرا كه وعده تو كردىّ و او بجا آورد

 


(1) راجع المنتخب الحسني: 910 ـ 922.
(2) راجع كتاب روح مجرد: 455 ـ 457.