المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (7) التّوبة والأنابة (1)

10

ومن يرى أن فلسفة الإيمان والطاعة هي: أنّ الله أهل للطاعة، وبغضّ النظر عن جنّة أو نار فهو يطلب رضوان الله، ويتحرك بحبّه لله، فالأمر هنا أوضح ممّا سبق، ونفس الفلسفة تدعوه إلى التوبة؛ لأن الله ـ تعالى ـ يرضى بالتوبة ويفرح بتوبة عبده كما ورد بسند صحيح عن أبي عبيدة قال: «سمعت أباجعفر (عليه السلام) يقول: إنّ الله ـتعالى ـ أشدّ فرحاً بتوبة عبده من رجل أضلّ راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها، فالله أشدّ فرحاً بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها»(1).

وقد ورد في الحديث أنّه لما أكل آدم من الشجرة تطايرت الحلل عن جسده وبدت عورته فاستحيى التاج والإكليل(2). من وجهه أن يرتفعا عنه، فجاءه جبرئيل فأخذ التاج من رأسه، وحلّ الإكليل عن جبينه، ونودي من فوق العرش اهبطا من جواري، فإنّه لا يجاورني من عصاني، قال: فالتفت آدم إلى حوّاء باكياً وقال: هذا أوّل شؤم المعصية أُخرجنا من جوار الحبيب(3).

إنّ هذا لهو مقام عظيم أن يكون بكاؤه على الخروج من جوار الحبيب قبل أن يكون على فراقه الجنّة. وهذه هي الفلسفة الثالثة التي أشرنا إليها للتوبة والندم.

وإن شئت مقاماً أعظم من هذا المقام في التوبة فلعلّه هو المستفاد من قوله تعالى: ﴿إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون﴾(4). فكأنّ الآية المباركة تشير إلى أنّ توبة المتّقين ليست من صدور الذنب منهم، بل من الهمّ بالذنب، فإنّ الشيطان الذي يطوف حول قلب المؤمن يمسّ قلبه كي ينفذ فيه ويورّطه في المعصية، فيهمّ العبد بالمعصية، ولكن قبل تماميّة النفوذ والتورط في المعصية يتذكّر المتّقي وإذا هو مبصر يرتدع عنها. وقد وردت روايات عديدة بمضمون تفسير الآية بأنّ العبد يهمّ بالذنب ثُمّ يذكر الله فيحول الذكر بينه وبين تلك المعصية(5).

والمقام الأكبر في التوبة من هذا المقام هو: توبة المعصومين التي ليست توبة من الذنب ولا من الهمّ بالذنب، بل من سيّئات المقرّبين التي هي من حسنات الأبرار.


(1) البحار 6/40.
(2) فسّر في المنجد الإكليل بشبه عصابة تزيّن بالجوهر.
(3) المحجة البيضاء. / 94 نقلاً عن الإحياء للغزالي.
(4) السورة 7، الاعراف، الآية: 201.
(5) راجع تفسير البرهان ۲/٥٦.