المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (7) التّوبة والأنابة (2)

9

دخل على رسول الله (صلى الله عليه و آله) رجل اسمه مجاشع، فقال: «يا رسول الله كيف الطريق إلى معرفة الحقِّ، فقال (صلى الله عليه و آله) معرفة النفس. فقال يا رسول الله فكيف الطريق إلى موافقة الحقّ؟ قال: مخالفة النفس. فقال: يا رسول الله فكيف الطريق إلى رضا الحقّ؟ قال: سخط النفس. فقال: يا رسول الله فكيف الطريق إلى وصل الحقّ؟ قال: هجر النفس. فقال: يا رسول الله فكيف الطريق إلى طاعة الحقّ؟ قال: عصيان النفس. فقال: يا رسول الله فكيف الطريق إلى ذكر الحق؟ قال: نسيان النفس. فقال: يا رسول الله فكيف الطريق إلى قرب الحقّ؟ قال: التباعد عن النفس. فقال: يا رسولالله فكيف الطريق إلى أُنس الحقّ؟ قال: الوحشة من النفس. فقال: يا رسول الله فكيف الطريق إلى ذلك؟ قال: الاستعانة بالحقّ على النفس»(1).

وتصديق ذيل الحديث وهو ضرورة الاستعانة بالحقّ على النفس وارد في قوله تعالى: ﴿... ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً...﴾(2).

وأمّا تصديق الوعيد فلولاه لم يكن أحد يطيع الله، ولا أحد يتوب إلى الله، إلّا المعصوم أو من يتلو تلو العصمة. فعلينا أن نلتفت إلى عذاب الله في الآخرة، ونقيسه إلى عذاب الدنيا الذي لا يعتبر بالنسبة لذاك عذاباً اصلاً. ونخاطب ربّنا بقولنا: «... أنت تعلم ضعفي عن قليل من بلاء الدنيا وعقوباتها، وما يجري فيها من المكاره على أهلها، على أن ذلك بلاء ومكروه قليل مكثه، يسير بقاؤه، قصير مدّته، فكيف احتمالي لبلاء الآخرة وجليل وقوع المكاره فيها، وهو بلاء تطول مدّته، ويدوم مقامه، ولا يخفّف عن أهله؛ لأنّه لا يكون إلّا عن غضبك وانتقامك وسخطك، وهذا ما لا تقوم له السماوات والأرض...»(3).

وقد ورد في الحديث عن الصادق (عليه السلام): «أن ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنّم، وقد اُطفأت سبعين مرّة بالماء ثُمّ التهبت، ولولا ذلك ما استطاع آدميّ أن يطفأها، وإنّه ليؤتى بها يوم القيامة حتى توضع على النار، فتصرخ صرخة لايبقى ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلّا جثا على ركبتيه فزعاً من صرختها»(4).


(1) البحار 70/72.
(2) السورة 24، النور، الآية: 21.
(3) مفاتيح الجنان، دعاء كميل.
(4) البحار 8/288.