المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (8) محــاســبة النفس (1)

8

وقد ورد في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه و آله): «أنّه يُفتح للعبد يوم القيامة على كلّ يوم من أيام عمره أربعة وعشرون خزانة عدد ساعات الليل والنهار، فخزانة يجدها مملوءة نوراً وسروراً، فيناله عند مشاهدتها من الفرح والسرور ما لو وزّع على أهل النار لأدهشهم عن الإحساس بألم النار، وهي: الساعة التي أطاع فيها ربّه، ثُمّ يُفتح له خزانة أُخرى فيراها مظلمة منتنة مفزعة، فيناله عند مشاهدتها من الفزع والجزع ما لو قسّم على أهل الجنّة لنغّص عليهم نعيمها، وهي: الساعة التي عصى فيها ربّه، ثُمّ يُفتح له خزانة أُخرى فيراها فارغة ليس فيها ما يسرّه ولا ما يسوؤه، وهي: الساعة التي نام فيها أو اشتغل فيها بشيء من مباحات الدنيا، فيناله من الغبن والأسف على فواتها حيث كان متمكناً من أن يملأها حسنات ما لا يوصف، ومن هذا قوله تعالى: ﴿... ذلك يوم التغابن﴾(1)».

ثانياً ـ المراقبة:

فمجرد المشارطة مع النفس لا تكفي؛ لأنّ النفس قد تخون الشرط، فلابدّ من مراقبتها في حالتين:

1 ـ حالة ما قبل العمل؛ كي يتأكّد من الدافع الذي دفعه إلى العمل؛ لأنّ النفس خدّاعة تخدع نفسها، فقد يغفل الإنسان عن دافعه الحقيقي، أو إنّ الدافع يكون في الحقيقة مركّباً من الدافع الإلهي وغيره، فيغفل عن الجزء الثاني، وينسب إلى نفسه الإخلاص.

2 ـ وحالة العمل؛ كي يتأكد من صحته وعدم الانحراف فيه وعدم الانصراف عنه إن كان عملاً صالحاً.

والمراقبة قد تُفسَّر بأحد تفسيرين:

الأوّل ـ مراقبة الإنسان نفسه سواءٌ قبل العمل أو حين العمل كما أشرنا إليه؛ كي لا يخطأ.

والثاني ـ ملاحظة الرقيب، وهو: الله تعالى، فإنّه سبحانه وتعالى يراقبنا في كلّ حال، وقد قال الله تعالى:


(1) السورة 64، التغابن، الآية: 9، وأمّا الرواية فهي واردة في البحار. / 262، وتتّضح ممّا في ذيل هذه الرواية ـ من أنّ فتح الخزانة الثالثة الخالية يورث من الغبن والأسف ما لا يوصف ـ عدّة أُمور، منها:.. أولاً ـ فضيلة كبيرة لشهر رمضان المبارك بناءً على ما ورد في خطبة مرويّة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قوله: «... أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة...» فإنّ هذا يعني: أنّ الخزانة الثالثة الخالية لا توجد للمؤمن في شهر رمضان؛ إذ لا أقلّ من نوم أو تنفّس فيها، وكلتاهما تحسبان عبادة، وهذا أحد معاني ما ورد في نفس تلك الخطبة: من أنّ شهر رمضان شهر ضيافة الله. راجع متن الخطبة في البحار: 96/356 ـ 358... ثانياً ـ أهمّية ترك اللغو الوارد في قوله تعالى في سورة 23 المؤمنون ﴿... والذين هم عن اللغو معرضون﴾ وفي سورة 25 الفرقان ﴿... وإذا مرّوا باللغو مرّوا كراما﴾. بناءً على شمولهما للغو المباح، فإنّ ذلك يوجب فتح الخزانة الثالثة المورثة من الغبن والأسف ما لا يوصف... ثالثاً ـ عظمة الكلام المرويّ عن الرسول (صلى الله عليه وآله) لأبي ذرّ كما ورد في البحار 77. 82: «... يا أبا ذرّ ليكن لك في كلّ شيء نيّة حتى في النوم والأكل...» فإنّ من فعل ذلك لم تُفتح له خزانة ثالثة.