المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (8) محــاســبة النفس (2)

2

وكأنّ أحد أغصان التذكّر المهمّة المأمور بها في القرآن هو: تذكّر ما عُهِدَ إلينا في عالم الذر المنطبع في الفطرة سواءٌ فرضنا عالم الذرّ نفس عالم الفطرة، أو عالماً أسبق به تكوّنت الفطرة الطاهرة، فإنّ أغشية النفس أذهلتنا عن ذلك ولا نذكرها، ولكنّنا نستطيع أن نتذكّرها بمعنى: الرجوع إلى الفطرة والتفتيش عمّا فيها والحصول عليها، فقوله تعالى مثلاً: ﴿... أولم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكّر...﴾ يعني: أنّ المقدار الذي تفضّلنا به عليكم من العمر كاف لوجدانكم لما هو الكامن في فطرتكم من التوحيد والمعارف.

وقد رُتِّبَ التذكّر في القرآن تارة على الإنابة، وأُخرى على اللّب، قال الله تعالى: ﴿... وما يتذكّر إلّا من ينيب﴾(1) وقوله تعالى: ﴿... إنّما يتذكّر أولو الألباب﴾(2).

أمّا التفكّر فله أقسام كثيرة، منها ما يلي: فقد يكون تفكّراً في آيات الله كما أشارت إليه الآيات التي بدأنا بها الحديث ﴿ان في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأُولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض...﴾ وهذا تفكّر يبعث بمعرفة الله وبالتوحيد، وفي نفس الوقت يبعث بالتذكير بالوظائف وضرورة الطاعة والإيمان والهرب من العذاب؛ ولهذا أعقبه الله ـ سبحانه ـ بقوله: ﴿... ربّنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار. ربّنا إنّك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار. ربّنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربّكم فآمنّا ربّنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنّا سيئاتنا وتوفّنا مع الأبرار...﴾ وأُخرى يكون التفكّر في نعم الله وآلائه، وثالثةً في كتاب الله أو في المناجاة والدعاء والصلاة، كما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) فيما ورد في وصاياه لأبي ذرّ: «... يا أبا ذرّ ركعتان مقتصدتان في تفكّر خير من قيام ليلة والقلب ساه»(3) ورابعةً في النفس وحالاتها ومهالكها وأساليب علاجها ونجاتها، وخامسةً في العِبَر المؤثّرة فيالنفس، كما ورد عن الحسن الصيقل قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عمَّا يروي الناس: أنّ تفكّر ساعة خير من قيام ليلة، قلت: كيف يتفكّر؟ قال: يمرّ بالخربة أو بالدار فيقول: أين ساكنوك، أين بانوك، مالكِ لاتتكلمين»(4).


(1) السورة 40، غافر، الآية: 13.
(2) السورة 13، الرعد، الآية: 19، والسورة 39، الزمر، الآية: 9.
(3) البحار 77. 82.
(4) تفسير البرهان 1/331.