المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

10

المتعاندين على عدم الآخر في صورة المغايرة وعدم العينيّة، وعندئذ فهذا النقض غير وارد. نعم، يبقى عليه أنّ فرض مساوقة التعاند في الوجود لتوقّف أحدهما على عدم الآخر مجرّد دعوى ليس على طبقه وجدان، ولا دُلِّل على ذلك في هذا البيان ببرهان، ومن هنا ننتقل إلى البيان الثاني ليكون برهاناً على ذلك.

البيان الثاني: أنّه لو لم يكن عدم أحد الضدّين مقدّمة للضدّ الآخر، قلنا:لو فرض وجود أحد الضدّين، وفي نفس الوقت وجدت العلّة التامّة للضدّ الآخر، فهل يوجد ذلك الضدّ الآخر أو لا؟ فإن قيل: نعم، يوجد ذلك الضدّ، لزم اجتماع الضدّين، وإن قيل: لا يوجد، لزم انفكاك المعلول عن العلّة التامّة، وكلا الأمرين محال، بينما لو قلنا بأنّ عدم أحد الضدّين هو بنفسه أحد أجزاء علّة وجود الضدّ الآخر، فمع وجود أحد الضدّين لا معنى لفرض تحقّق العلّة التامّة للضدّ الآخر.

وهذا البيان أيضاً غير صحيح؛ إذ بالإمكان أن يفرض أنّ عدم أحد الضدّين ملازم لشيء هو جزء العلّة للضدّ الآخر، فعند وجوده لا تتمّ علّة الضدّ الآخر؛ لفقدان ذلك الملازم.

البيان الثالث: أنّه لا إشكال في أنّ عدم أحد الضدّين مقدّم على الضدّ الآخر تقدّماً بالطبع؛ فإنّ التقدّم تارةً يكون بالوجود(1)، واُخرى يكون بالطبع، فالمتقدّم بالوجود هو ما يجعل وجود الشيء واجباً، وهو العلّة التامّة بالنسبة لمعلوله، والمتقدّم بالطبع هو ما يكون فرض وجود الشيء الآخر مستلزماً لفرض وجوده دون العكس، كما هو الحال في عدم أحد الضدّين مع الضدّ الآخر؛ فإنّ وجود الضدّ لا يعقل إلاّ مع فرض عدم الضدّ الآخر دون العكس.


(1) وهو الذي يعبّر عنه في الحكمة بالتقدّم بالعلّيّة.