المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

32

الضدّين هو جزء المؤثّر لوجود الضدّ الآخر، فهذه الدعوى لا تستلزم دوراً ما لم تضمّ إليها مقدّمة اُخرى تدّعى كونها لازمة لكلام الخصم؛ لأنّه على هذا الفرض يكون الضدّ بعدمه مؤثّراً في الوجود، وليس بوجوده مؤثراً في المنع حتّى يقال: إنّ وجوده كيف يمنع ما فرض عدمه قبل فرض هذا الوجود. وهذا التقريب ليس هو التقريب المعروف للدور(1) في المقام، وإنّما هو عبارة عن الشقّ الثاني من برهاننا الثاني الذي أتممناه بشقّه الأوّل، وهو دعوى استحالة تأثير العدم في الوجود.

التقريب الثاني: أن يقال: إنّ القائل بمقدّميّة ترك الضدّ يقول بالمدلول المطابقيّ لمدّعاه: إنّ عدم الضدّ مكمّل لقابليّة المحلّ للضدّ الآخر، فعدم البياض مثلا مكمّل لقابليّة المحلّ للسواد، فيكون مقدّمة للسواد، ويضاف إلى هذه الدعوى مقدّمة اُخرى تفرض أنّها لازمة لهذه الدعوى، وهي: أنّ وجود الضدّ أيضاً مكمّل لقابليّة المحلّ لعدم الضدّ الآخر، فيكون عدم البياض مقدّمة للسواد، والسواد مقدّمة لعدم البياض، وهذا دور.

وأوضح ما يورد على هذا: أنّه لا دليل على الملازمة بين ما يدّعيه الخصم من مكمّليّة عدم الضدّ لقابليّة المحلّ للضدّ الآخر، وما فرض لازماً لدعواه من مكمّليّة وجود الضدّ لقابليّة المحلّ لعدم الضدّ الآخر.

التقريب الثالث: أن يقال: إنّ الخصم يدّعي: أنّ عدم الضدّ جزء العلّة لوجود الضدّ الآخر، سواء كان ذلك على أساس مؤثّريّة العدم في الوجود، أو على أساس مانعيّة الوجود عن الوجود، وتضاف إلى هذه الدعوى مقدّمة اُخرى لازمة لها،


(1) لا يخفى: أنّ الشيخ الإصفهانيّ(رحمه الله) في تعليقته على نهاية الدراية جعل هذا التقريب هو التقريب المعروف للدور. راجع نهاية الدراية، ج 1، ص 184، تحت الخطّ، بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت.