المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

38

وان قلت: إنّ عدم عدمه عين وجوده، فلنقل بذلك في سائر المراتب.

وإن قلت: إنّ عدم عدمه هو واجب الوجود، أو ينتهي إلى واجب الوجود غير هذا الواجب الذي نتكلّم عن عدم عدمه، لزم تعدّد واجب الوجود مع الملازمة بينهما؛ إذ من الواضح إنّ عدم عدم الشيء مع وجوده متلازمان، بينما التلازم بين واجبي الوجود مستحيل؛ لأنّ التلازم لا يكون بين شيئين إلاّ بأن يكون أحدهما معلولا للآخر، أو بأن يكونا معلولين لشيء ثالث(1).

ورابعاً: أنّ عدم عدم الشيء يستحيل أن يكون له دخل أو تأثير في العالم الخارجيّ.

وذلك لأنّه إن فرض أنّ المقصود بالعدم المضاف إليه واقع العدم، فالعدم لا يضاف إلى العدم على ما قالوا: من أنّ الوجود والعدم إنّما يضافان إلى الماهيّة، ولا يضاف أحدهما إلى الآخر ولا إلى نفسه.

وإن فرض أنّ المقصود به مفهوم العدم الذي هو أمر ذهنيّ، فالاُمور الذهنيّة بوجودها أو بعدمها لا تؤثّر في العالم الخارجيّ.

وخامساً: أنّنا لو فرضنا أنّ عدم عدم السواد مثلا علّة لعدم البياض، وإنّ عدم البياض علّة للسواد، كان معنى ذلك: أنّ عدم عدم السواد علّة للسواد ولو بالواسطة، بينما لا يُعقل أن يكون نفي عدم الشيء علّة لوجوده؛ لأنّ هذا التأثير في طول تحقّق هذا النفي ومقيّد به، في حين أنّه يكون ثبوت النقيض في الظرف المقيّد بنفي نقيضه ـ بما هو كذلك ـ ضروريّاً؛ لبداهة استحالة ارتقاع العدم والوجود.


(1) قد يقال: إنّ تلازم الوجود لعدم العدم نشأ من تعانده مع ما يكون عدم العدم نقيضاً له، وهو العدم، وهذا الملاك للتلازم ثابت حتّى في واجبي الوجود، ولا نعني بالملازمة إلاّ المصاحبة التي لابدّ منها، والتي ليست مجرّد صدفة.