المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

49

وأمّا دعوى الاستلزام فهي أيضاً باطلة؛ فإنّه إن اُريد بذلك استلزام جعل الوجوب لجعل حرمة الترك، من قبيل الاستلزام في التكوينيّات، بأن يكون جعل الوجوب مستلزماً تكويناً وقهراً لجعل حرمة الترك بلا إرادة واختيار، فهذا غير معقول في الأفعال الاختياريّة، وجعل الحكم فعل اختياريّ.

وإن اُريد بذلك أنّ جعل الوجوب يستلزم خلق داع في نفس الجاعل يدعوه إلى جعل حرمة الترك، فهو أيضاً باطل؛ إذ لا داعي إلى جعلها، بل اللغويّة تدعو إلى عدم الجعل؛ فإنّ الحكم الغيريّ ـ على ما مضى ـ لا يترتّب على امتثاله أو عصيانه استحقاقٌ للثواب أو العقاب، ولا يؤكّد التحريك.

هذا كلّه بلحاظ عالم الجعل.

وأمّا بلحاظ عالم الحبّ والبغض، فدعوى اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه في هذا العالم يجب أن تقوم على أساس دعوى فرضيّة من فرضيّات أربع في باب عاطفة الحبّ والبغض:

الفرضيّة الاُولى: أن يقال: إنّه لا توجد في وجدان الإنسان وضميره عاطفة اسمها عاطفة الحبّ، وإنّما الموجود دائماً هو عاطفة البغض، غاية ما هناك أنّ البغض قد يتعلّق بالفعل، وقد يتعلّق بالترك، فيسمّى الفعل محبوباً(1). وهذه الفرضيّة في صالح القول بأنّ الأمر بالشيء عين النهي عن الترك.

وهذه الفرضيّة يبطلها الوجدان الشاهد بوجود عاطفة في النفس اسمها عاطفة الحبّ.


(1) ويمكن دعوى العكس أيضاً، بمعنى إنكار عاطفة البغض وحصرها في الحبّ، والنتيجة أيضاً هي العينيّة، وهذه الدعوى أيضاً تخالف الوجدان.