المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

61

بيان شيئين في عرض واحد ـ وموضوعهما شيء واحد، وهو المادّة ـ أحدهما: الوجوب، والآخر: الملاك. فهناك موضوع واحد دلّ الأمر على ثبوت محمولين له، فالمحمول الأوّل ـ وهو الحكم والوجوب ـ ثبت بدلالة وضعيّة، والمحمول الثاني ـ وهو الملاك ـ ثبت بدلالة سياقيّة؛ فإنّ ظاهر حال المولى أنّه بصدد بيان الحكم مع بيان روحه ـ وهو الملاك ـ لا بصدد بيان الحكم فقط. وهاتان الدلالتان عرضيّتان، أي: كلتاهما دلالة مطابقيّة، وليست الثانية التزاميّة كما فرض في الأمر الأوّل.

والمقيّد الذي قيّد الخطاب بالقدرة مفاده واضحٌ في اختصاصه بجانب الحكم، ولا يمسّ جانب الملاك بصلة؛ فإنّ اقتضاء البعث لإمكانيّة الانبعاث، أو حكم العقل بقبح تكليف العاجز كلاهما مرتبطان بالحكم. أمّا ثبوت الملاك في حقّ العاجز فلا يوجد فيه قبحٌ ولا فيه جنبة بعث وتحريك، فهذا المقيّد لا هو قرينة على تقييد الملاك، ولا هو صالحٌ للقرينيّة على ذلك حتّى يوجب الاجمال، فبلحاظ الملاك نتمسّك بإطلاق المادّة.

نعم، حينما تؤخذ القدرة قيداً في الموضوع بواسطة نفس الدليل اللفظيّ للحكم، لا بالقرينة اللبّيّة المفروضة في المقام، يكون الظاهر من ذلك تقيّد المادّة بلحاظ كلا المحمولين.

وهذا التقريب بهذا النحو يعني: أنّ تمام نكتة المطلب هو فرض الدلالة على الملاك مع الدلالة على الحكم عرضيّتين، وكون المقيّد مرتبطاً بجانب الحكم فقط.

وليست نكتة المطلب هي: أنّ قرينة التقييد تكون في الرتبة المتأخّرة عن الخطاب؛ لأنّها عبارة عن حكم العقل بقبح توجيه الخطاب إلى العاجز، أو تطلّب نفس الخطاب القدرة، فلا يمكن أن تمتدّ إلى المرتبة المتقدّمة على الخطاب، وتقيّد الملاك، حتّى يرد عليه إشكال السيّد الاُستاذ دامت بركاته: من أنّ القرينة المتأخّرة قد تنظر إلى مدلول متقدّم.