المولفات

المؤلفات > ولاية الأمر في عصر الغيبة

150

فكأنّ المقصود ـ واللّه العالم ـ هو انتخاب الوليّ الذي هو أمر يمسّ الكلّ والذي لا يكون إلاّ بمعنى تحكيم رأي الأكثريّة.

إلاّ أنّ هذا الاستظهار لو تمّ في نفسه يقابله استظهار آخر، وهو أنّ الآية الشريفة بصدد بيان صفات من ادّخر لهم متاع الحياة الآخرة، قال اللّه تعالى: ﴿ فَمَا أُوتِيتُم مِنْ شَيْء فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الاِْثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾(1)، وهي ظاهرة في صفات تقبل الفعليّة في زمن صدور الآية، وكلّها فعليّة وقتئذ إلاّ العمل بالشورى لو فسّر بمعنى الانتخاب وتحكيم رأي الأكثريّة، فهذا لا يمكن أن يكون فعليّاً وقتئذ؛ لأنّ من ضروريّات الإسلام أنّه لا معنى للانتخاب وتحكيم رأي الأكثريّة في فرض وجود الوليّ المنصوب من قبل اللّه تعالى، قال اللّه عزّ وجل: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلاَ مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُم الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾(2)، وقال عزّ من قائل: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾(3)، فقد تكون هذه قرينة على حمل الآية على إرادة الاستضاءة بأفكار الآخرين بالشكل المعقول من دون إرادة الاستشارة مع الكلّ؛ إذ هذا غير معقول في الاستضاءة بالأفكار، فيصبح وزان الآية وزان آية أُخرى صريحة في هذا المعنى، وهي قوله تعالى:


(1) سورة الشورى: الآية 36 ـ 39.

(2) سورة الأحزاب: الآية 36.

(3) سورة الأحزاب: الآية 6.