المولفات

المؤلفات > ولاية الأمر في عصر الغيبة

87

كلّ شيء تتطلّب التفوّق على الآخرين في العلم المرتبط بتلك القيادة، وبما أنّ قيادة الأُمّة نحو تطبيق الإسلام ترتبط ـ فيما ترتبط به ـ بالفقه، إذن فلابدّ أن يكون وليّ الأمر أرجح منهم في الفقه، وهذا لا يكون إلاّ بأن يفترض فقيهاً.

ولكنّ هذا الاستدلال أيضاً لا يخلو من نقاش وذلك:

أوّلا: أنّ لحن الآية لا يدلّ على أكثر من أنّ زيادة العلم كانت حكمة لاختياره تعالى لطالوت واصطفائه عليهم، أمّا أن يكون ذلك دائماً ـ وفي كلّ الحالات ـ علةً لأهلية القيادة فلا يفهم من الآية المباركة، فلو فرضنا أنّ أحدهم كان أعلم من الآخر، والآخر كان أقدر على القيادة لما يمتلك من سعة في الحلم ورحابة الصدر وقوّة الرؤى الصائبة في المصالح الاجتماعية والسياسية، وهو مستعدّ للرجوع إلى ذاك الأعلم في الفقه بعنوان التقليد ـ إن لم يكن هو فقيهاً ـ بقدر ما يمتّ أمر القيادة إلى الفقه بصلة، فالآية لا تدلّ على أرجحية الأوّل على الثاني في القيادة.

وثانياً: أنّ الآية حتى مع الحمل على العليّة لا تدلّ على أكثر من أولوية الأعلم للقيادة في دائرة ما هو أعلم فيها، فطالوت كان أعلم بفنون الحرب، فكان أولى للقيادة في تلك الدائرة، والفقيه أيضاً أعلم من غير الفقيه في دائرة الفقه، فلابدّ أن يكون هو المرجع بقدر ما يمتّ الأمر إلى الفقه بصلة، فإذا كان غير الفقيه يتزعّم ولاية المجتمع ولم يكن الفقيه أعلم منه في فهم المصالح السياسية والاجتماعية، بل قد يكون هو أعلم من الفقيه في ذلك، وكان هو ملتزماً في أحكامه بالرجوع إلى الفقيه بقدر ما تمتّ إلى الفقه بصلة فالآية لا تدلّ على أولوية ذاك الفقيه بالولاية من هذا المقلّد.

وأمّا السنّة فقد استدلّ في كتاب (دراسات في ولاية الفقيه) أيضاً على مقصوده من شرط الفقاهة في وليّ الأمر بالروايات الدالّة على شرط العلم بل الأعلميّة في الإمامة.