المولفات

المؤلفات > الإمامة وقيادة المجتمع

164

وأفكارها، يعيش في نفسه الشعور بالهيبة تجاهها؛ لأنّه ولد وهي قائمة، ونشأ صغيراً وهي جبّارة، وفتح عينيه على الدنيا فلم يجد سوى أوجهها المختلفة، وخلافاً لذلك شخص يتوغّل في التأريخ عاش الدنيا قبل أن ترى تلك الحضارة النور، ورأى الحضارات الكبيرة سادت العالم الواحدة تلو الاُخرى ثمّ تداعت وانهارت، رأى ذلك بعينيه ولم يقرأه في كتاب تأريخ، ثمّ رأى الحضارة التي يقدّر لها أن تكوِّن الفصل الأخير من قصّة الإنسان قبل اليوم الموعود، رآها وهي بذور صغيرة لا تكاد تتبيّن، ثمّ شاهدها وقد اتخذت مواقعها في أحشاء المجتمع البشري تتربّص الفرصة لكي تنمو وتظهر، ثمّ عاصرها وقد بدأت تنمو وتزحف وتصاب بالنكسة تارةً ويحالفها التوفيق تارةً اُخرى، ثمّ واكبها وهي تزدهر وتتعملق وتسيطر بالتدريج على مقدّرات عالَم بكامله، فإنّ شخصاً من هذا القبيل عاش كلّ هذه المراحل بفطنة وانتباه كاملين ينظر إلى هذا العملاق ـ الذي يريد أن يصارعه ـ من زاوية ذلك الامتداد التأريخي الطويل الذي عاشه بحسّه لا في بطون كتب التأريخ»(1).

ففرق بين ما لو كان القائد المعدّ لقطع دابر الظلمة مولوداً في عصر اُبّهة ذلك الظالم وهيمنته وسطوته، وما لو كان القائد موجوداً في عصر سابق. وما أكثر ما يرى خلال هذه المدّة الطويلة من الظَلَمة الذين يعاشرهم من أوّل نقطة ضعفهم وضآلة وضعهم، وإلى أن يصلوا إلى نهاية طغيانهم، وإلى أن يضمحلّوا مرّةً اُخرى، ثمّ يعاصر آخر



(1) بحث حول المهدي: 42 ـ 45.