المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

127

فداك يابن رسول الله أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المكان، وما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضته عليهم، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، والله لو علمت أنّهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت مثل الذي ركبت، وأنا تائب إلى الله ممّا صنعت، فترى لي من ذلك توبة؟ فقال له الحسين(عليه السلام): « نعم يتوب الله عليك ». فقاتل(رحمه الله) الأعداء إلى أن قُتل في سبيل الله، فاحتمله أصحاب الحسين(عليه السلام) حتّى وضعوه بين يدي الحسين(عليه السلام)وبه رمق، فجعل الحسين يمسح وجهه ويقول: «أنت الحرّ كما سمّتك أُمّك، وأنت الحرّ في الدنيا، وأنت الحرّ في الآخرة».

والخلاصة: أنّ المسلك الصحيح في تهذيب النفس وتزكيتها هو: الجمع بين الأمرين: كسر ضيق النفس عن مصالح الآخرين، وتخفيف حجاب سُمك المادّة عن مشاهدة المعنويات والسفر إليها والالتذاذ بلقاء الله بعين القلب والبصيرة.

ففي الأوّل يجب أن نقتدي بإمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام) الذي كان يعطف على الأسير الذي تحت يده وإن كان قاتلاً له(عليه السلام)، ويقول للحسن(عليه السلام): «ارفق ياولدي بأسيرك، وارحمه، وأحسن إليه، وأشفق عليه، ألا ترى إلى عينيه قد طارتا في أُمّ رأسه، وقلبه يرجف خوفاً ورعباً وفزعاً.

فقال له الحسن(عليه السلام): يا أباه قد قتلك هذا اللعين الفاجر، وأفجعنا فيك وأنت تأمرنا بالرفق به؟!

فقال له: نعم يا بنيّ نحن أهل بيت لا نزداد على الذنب إلينا إلاّ كرماً وعفواً، والرحمة والشفقة من شيمتنا لا من شيمته، بحقّي عليك فأطعمه يا بنيّ ممّا تأكله، وأسقه ممّا تشرب، ولا تقيّد له قدماً، ولا تغلّ له يداً، فإن أنا متّ فاقتصّ منه: بأن تقتله وتضربه ضربة واحدة، ولا تحرقه بالنار، ولا تمثّل بالرجل، فإنّي سمعت جدّك رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: «إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور» وإن أنا عشت فأنا