المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

142

أراد الله أن يهديه بإرسال الرسل وإنزال الكتب، ولو كان الربّ هو الذي يعرف نفسه وليس غيره فما معنى إرسال الرسل وإنزال الكتب ؟ ! وما معنى ما يدّعيه صاحب هذا الكلام من تربية النفس بالعرفان، وأيّ نفس يربّيها ؟ وهل يريد بتربية نفسه تربية العدم المحض المتمثّل في التعيّنات الماهويّة، أو تربية الله سبحانه وتعالى؟!

وإمّا أنّ صاحبه يعتقد أنّه وإن كان هو غير الله إلاّ أنّه بالتربية والرياضة والعرفان والسلوك يفنى في الله بالوصول إليه بخرق الحُجب، فلا يبقى غير الله، فيكون الربّ هو الذي يعرف نفسه(1).

والخطأ الفلسفي في هذا الكلام كما مضى هو: أنّ التجرد عن البدن والجوانب المادّية لو تمّ بمعنى الكلمة فالجانب المجرّد من النفس لم يكن نقصه وحدّه مخصوصاً بما كان معه من البدن والمادّة وبنقائصهما وأعراضهما، بل نفس إمكانه وحدوثه وفقره بما هو، ومحدوديّةُ ذاته والتي كلّها تكون علائم تدلّ على النقص الذاتي الذي يمنع عن وصوله إلى مقام الربّ تعالى أُمورٌ ذاتيّة له، فلا يمكنه التجرّد عنها، وذاتيّةُ النقص في الممكن المخلوق ـ أيضاً ـ أمرٌ وجداني.

ويقول بعض(2): إنّ التجرّد الكامل ومن جميع الجهات لا يحصل إلاّ بعد


(1) أُنظر الفارق الكبير بين تفسير خرق الحُجُب والفناء الكامل بمعنى أنّه لم يبق شيء غير الربّ، والربّ هو الذي يعرف نفسه، وبين ما يقوله آية الله جوادي آملي (حفظه الله) في تقدمته لكتاب سرّ الصلاة في الصفحة الثامنة عشر: من أنّ الخرق النهائي عبارة عن أن لا يرى الإنسان نفسه، وليس عبارة عن الانعدام، فإنّ الانعدام ليس كمالاً، وإنّما الكمال هو عدم الرؤية، والسالك يصل في مقام الفناء التامّ إلى مستوى أنّه لا يرى شيئاً غير الله، فلا يرى نفسه، ولا غيره ولا عدم رؤيته للغير، ولا رؤيته للحقّ...

(2) راجع تعليق السيّد محمّد حسين الطهراني على الرسالة المنسوبة لبحر العلوم: 39 ـ 40، والرسالة تسمّى سير وسلوك.