المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

165

الثانية: ذكر الشعراني في الطبقات الكبرى(1) قال: كان الشيخ عبدالقادر الجيلاني(رضي الله عنه) يقول: أقمت في صحراء العراق وخرائبه خمساً وعشرين سنة مجرّداً سائحاً لا أعرف الخَلْق ولا يعرفوني، يأتيني طوائف من رجال الغيب والجانّ أُعلّمهم الطريق إلى الله عزّ وجلّ، ورافقني الخضر(عليه السلام) في أوّل دخولي العراق، وما كنت عرفته، وشرط أن لا أُخالفه، وقال لي: اقعد هنا، فجلست في الموضع الذي أقعدني فيه ثلاث سنين يأتيني كلّ سنّة مرّة، ويقول لي: مكانك حتّى آتيك، قال: ومكثت سنة في خرائب المدائن آخذ نفسي بطريق المجاهدات، فآكل المنبوذ ولا أشرب الماء، ومكثت فيها سنة أشرب الماء ولا آكل المنبوذ، وسنة لا آكل ولا أشرب ولا أنام، ونمت مرّة بإيوان كِسرى في ليلة باردة، فاحتلمت، فقمت وذهبت إلى الشطّ، واغتسلت، ثُمّ نمت فاحتلمت، فذهبت إلى الشط، واغتسلت، فوقع لي ذلك في تلك الليلة أربعين مرّة وأنا أغتسل، ثُمّ صعدت إلى الإيوان خوف النوم.

قال الشيخ الأميني(رحمه الله)تعليقاً على هذه القِصّة: اقرأه بإمعان وتبصّر في شأن هذا العارف معلّم طوائف من رجال الغيب والجانّ الذي اتَّخذوه الطريق إلى الله، وكان رفيق الخضر(عليه السلام)، وأعجب من إنسان لم يأكل سنة، ولم يشرب أُخرى، ويتركهما ثالثة، ولم تخرّ قواه حتّى يحتلم في ليلة شاتية أربعين مرّة، ويعبث به الشيطان بهذا العدد الجمّ وهو فان في الله، ولو كان اتَّفق له ذلك خلال تلكم الأيّام التي كان يأكل فيها الدجاجة المسلوقة، ويحيي عِظامها كما مرّ لكان يُعدّ بعيداً عن الطبيعة البشريّة، وما أطول تلك الليلة حتّى وسعت أربعين نومة ذات احتلام وأغسالاً بعدها على عدد الأحلام المتخلّلة بالذهاب إلى الشط والإياب إلى مقرّه ومنامه، وبعد ذلك كلّه تبقى منها برهة يصعد الشيخ إلى الإيوان خوفاً من النوم، ولعلَّه لو نام بعد نومته المتمّمة للأربعين لبلغ العدد الأربع مئة أو أكثر، ولم يكن الشيطان يفارق


(1) الطبقات الكبرى 1 / 110 بحسب تخريجة كتاب الغدير 11 / 171.