المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

167

بإمامة الأئمّة، أو إنّ الصوفيّة لمّا رأوا أنّ التأريخ سجّل لهم الورع والتقوى اشتهوا أن ينتحلوهم؛ لكي يقووا بهم، أو لكي ينهوا سلاسلهم اِلى أُناس متقين. وأذكر هنا على سبيل المثال ثلاثة أسماء:

الأوّل: شقيق البلخي الذي يقال عنه: إنّه كان صوفيّاً، وكان تلميذاً لإبراهيم الأدهم(1). وقد سجّل له التأريخ(2) أنّه كان في بداية أمره صاحب ثروة ومكنة كبيرة، وكان يُكثر الأسفار للتجارة، فسافر في بعض السنين إلى بلاد الترك إلى بلد كان أهله وثنيين، فقال لأحد أكابرهم: إنّ عبادتكم لهذه الأصنام باطلة، فهي ليست بآلهة، وللمخلوق خالق سميع عليم لا يشبهه شيء، وهو الرازق لكلّ حيّ، فقال له ذاك الوثني:

إنّ قولك يخالف فعلك، قال شقيق: وكيف ذلك؟ فقال له الوثني: أنت ترى أنّ لك خالقاً يرزق المخلوقين وبرغم هذا الاعتقاد تتحمل عناء ومشقة السفر إلى هذه البلاد لطلب الرزق. فتنبّه شقيق على أثر هذه الكلمة، ورجع إلى بلده، وتصدّق بكلِّ ما يملك، ولازم العلماء والزهّاد إلى آخر حياته.

وهو وإن لم يذكر بشأنه الاهتداء إلى خطّ الإمامة الثابت لدى الشيعة، ولكن رُويت عنه قِصَّة طريفة مع الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام)، وهي القِصّة المرويّة في كتاب كشف الغُمّة لعليّ بن عيسى الإرْبِليِّ: من أنّ شقيقاً قال: «خرجت حاجّاً في سنة تسع وأربعين ومئة، فنزلت القادسيّة، فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم وكثرتهم فنظرت إلى فتىً حسن الوجه، شديد السُمرة، ضعيف، فوق ثيابه ثوب من صوف مشتمل بشملة، في رجليه نعلان، وقد جلس منفرداً، فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفيّة يريد أن يكون كَلاًّ على الناس في طريقهم، والله لأمضين إليه،


(1) خدمات متقابل اسلام وايران: ص 646.

(2) راجع منتهى الآمال: 2/207.