المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

218

المذنب له حقّ دلال على الربّ ـ تبارك وتعالى ـ يطالبه بما أوجبه على نفسه من المغفرة والرحمة والتوبة عليه.

ولعلّ السبب في هذا ـ بعد وضوح سعة رحمته التي ستظهر في يوم القيامة حتّى يطمع إبليس فيها(1) ـ واضح، وهو: أنّ فرض العقاب على ذنوب العباد لم يكن بهدف التشفّي من العبد تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، بل كان بهدف جعله رادعاً للعبد عن الهلاك وسقوطه في وادي الضلال وفي رذائل النفس وقبائح الأعمال، ومحفّزاً له على تزكية نفسه وتنمية الفضائل في ذاته، وتكميله في سلّم المعنويات بقدر قابليّته، هذا بالنسبة لغير الخبيث الذي وصل استحقاقه للعقاب (لولا أن يتوب) إلى حدّ لا يكون قابلاً للعفو عنه، أمّا بالنسبة لهذا فهناك ملاك آخر للعقاب زائداً على ما مضى لسنا الآن بصدد شرحه. فإذا تاب العبد وأناب إلى ربّه فقد طهّر نفسه، واستعاد حسن سريرته، وبدأ يرقى مرقى الكمال، فقد تحقّق الهدف الذي كان كامناً من وراء فرض العقاب، فالربّ تعالى يكون ـ عندئذ ـ أعلى وأجلّ من أن يعاقبه، وهو تبارك وتعالى قد فرح ـ إن صحّ التعبير ـ بحصول الهدف المنشود، وهو: هداية العبد. فقد ورد في الحديث عن أبي عبيدة الحذّاء قال: «سمعت أبا جعفر(عليه السلام): ألا إنّ الله أفرح بتوبة عبده حين يتوب من رجل ضلّت راحلته في أرض قفر وعليها طعامه وشرابه، فبينما هو كذلك لا يدري ما يصنع ولا أين يتوجّه حتّى وضع رأسه لينام فأتاه آت فقال له: هل لك في راحلتك، قال: نعم، قال: هو ذه فاقبضها، فقام إليها فقبضها، فقال ابوجعفر(عليه السلام): والله أفرح بتوبة عبده حين يتوب من ذلك الرجل حين وجد راحلته»(2).

وأمّا الآية الثانية وهي قوله: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا


(1) راجع البحار 7/287، الباب 14 من كتاب العدل والميعاد، الحديث 1.

(2) البحار 6/38 ـ 39.