المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

220

ولكن صاحب هذا الكلام غفل أوّلاً عن عدم ضمان لنفي مباغتة الموت قبل التوبة. وثانياً عن أنّ ترك الذنب أهون من التوبة، ولا يعلم أنّه سيتوفق إلى التوبة لو أذنب، فإنّ الندم الذي هو أوّل شرائط التوبة لا يتحقّق بسهولة، فضلاً عن باقي شرائطها التي تتلو النَدَم. وقد ورد عن الصادق(عليه السلام) عن أمير المؤمنين(عليه السلام)أنّه قال: «ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة. وكم من شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً، والموت فضح الدنيا، فلم يترك لذي لبّ فرحاً»(1). وثالثاً عن أنّ تبدّل السيّئات حسنات لا يعني أنّ المذنب إذن صار أكثر ثواباً من غير المذنب؛ لانضمام سيّئاته إلى حسناته؛ وذلك لأنّ الحسنات التي تعطى لتارك الذنوب بسبب تركه للذنوب أو بسبب رحمة الرب لا تقاس بالتي تعطى للتائب، ومن الباطل عقلاً أن يكون التائب من الذنب أفضل من المتحرّز من الذنب.

وأمّا الآية الرابعة وهي قوله تعالى: ﴿... إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ...﴾ فالسبب لاختياري بدء الحديث بذكرها ما فيها من العموم الواضح الدال على غفران جميع الذنوب بلا استثناء، وبما فيها أشدّ الذنوب، وهو: الشرك، أمّا ما تراه من استثناء الشرك في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ...﴾(2) فذلك ناظر إلى المغفرة من دون توبة، في حين أن قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ... ﴾ ناظر إلى المغفرة على أثر التوبة. والشاهد الداخلي على ذلك من نفس الآية قوله تعالى بعدها مباشرة: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾.

أمّا الاُمور التي نريد أن نبحثها في مسألة التوبة فهي:

الأوّل: ضرورة التوبة.


(1) أُصول الكافي 2/451.

(2) السورة 4، النساء، الآية: 48.